الوجه في ذلك كما أشار إليه : أن هذه الأصول ليست متعرضة للأحكام الواقعية وانما مفاد أدلتها جعل وظائف خاصة للجاهل بالاحكام الواقعية فكيف يصح ترتيب أثر العلم الطريقي عليها؟ حيث أن آثاره هي المنجزية والمعذرية ، وإذا لم تكن أدلتها متعرضة للأحكام الواقعية ولو تنزيلا فكيف تصلح أن تكون منجزة لها أو عذرا عنها؟ ، ويحتمل بعيداً أن يكون المراد عدم قيامها مقام العلم مطلقا ولو موضوعيا كما هو كذلك ، أما الأول فلما عرفت ، واما الثاني فلان ترتيب آثاره الشرعية تتوقف على إحرازه وجدانا أو تنزيلا وليس أدلة الأصول تصلح لإثبات ذلك فانها لا تقتضي قيام شيء مقام العلم وتنزيله منزلته ولا تنزيل شيء منزلة الواقع فكيف يترتب حينئذ أثر العلم الموضوعي؟ ويصح أن يقال تقوم الأصول مقامه «قلت» : الأصول الحكمية هي الاستصحاب والاحتياط والتخيير والبراءة ، والأولان يأتي بيان حالهما في كلامه ، والثالث أصل عقلي كالثاني فيلحقه حكمه ، فلم يبق الا الرابع وهو أصل البراءة الشرعية ، ولا ريب في انه يترتب عليه ما يترتب على العلم الطريقي في كونه عذرا على تقدير المخالفة كالعلم بالإباحة ، ولو فرض وجود أصل شرعي إلزاميّ لكان أيضا يقوم مقام العلم في كونه منجزا للواقع لكنه لا وجود له فإنكار قيامها مقام العلم الطريقي غير واضح ، ومجرد عدم تعرض دليلها لجعل الواقع ولو تنزيلا وانه ليس مفاده إلا أحكاما خاصة في قبال الواقع لا يدفع ما ذكرنا من المؤمنيّة والمنجزية وإنما يدفع ترتيب آثار الواقع على مؤدياتها لعدم إحراز موضوعها ولو تنزيلا كما يقتضي عدم قيامها مقام القطع الموضوعي لقصور أدلتها عن إثبات كونها علما تنزيلا كما كان ذلك في أدلة الأمارات ، كما أشرنا إليه سابقا وقلنا انه الوجه في كون الأمارات مقدمة على الأصول. وبالجملة : أدلة الأمارة تجعل الأمارة علما تنزيلا وأدلة الأصول لا تجعل شيئا علما وانما تجعل حكما في ظرف الشك فإذا جاءت الأمارة ارتفع الشك ولو تنزيلا فيرتفع حكم الأصل (فالمتحصل) : أن الأصول الحكمية تقوم مقام القطع الطريقي ولا تقوم مقام القطع الموضوعي. هذا في غير الاستصحاب والأصول