وكان الدقاق يقول : إن القلوب كانت متفرقة فى الدنيا فقبضها الله تعالى عنها بقوله: (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) (النساء : ٧٧) فلما تعلقت القلوب بالآخرة قطعها الله سبحانه عنها بقوله : (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (طه : ٧٣).
وقال يحيى بن معاذ : الزاهد صيد الحق من الدنيا ، والعارف صيد الحق من الآخرة.
ولا غرو أن يزهد عارف بمن لم يزل فى حاصل بعد أن لم يكن إذا صفت همته عن كدورة أمنيته ، وتخلص سره عن وحشة حجبته ، وهذا المتنبى قال : من رأس دعواه على سبيل العادة من غير تحقيقه بمعنى ما قال ، وكل ما خلق الله وما لم يخلق محتقر فى همتى ، كشعرة فى مفرقى.
وأما من قال : «تبارك» أى تعظم فمن طالع عظمته ، وشاهد سلطانه ورفعته ، وتحقق علوه وعزته ، نسى صولته ، وترك سطوته ، فلا يدعى فى شيء أنه من حوله وقوته ، ولا يرى شيئا بقدرته واستطاعته ، واعتصم بعجزه وفاقته ، وفى معناه أنشدوا :
أذل فأعزز به من مذل |
|
ومن طالب لدمى مستحل |
إذا ما تعزز قابلته |
|
بذل وذلك جهد المقل |
فكنت لعزته خاضعا |
|
ولو لا جلالته لم أذل |
وقال بعض المشايخ : إذا عظم الرب فى القلب صغر الخلق فى العين ،