وقيل : إن وزيرا للمعتضد بعث مالا إلى أبى الحسين النورى ليفرقه على أصحابه ، فصب النورى ذلك المال فى بيت وقال للفقراء : ادخلوا هذا البيت وخذوا منه بقدر حاجتكم إليه ، فدخلوا فمنهم من أخذ دانقا ، ومنهم من أخذ نصف دانق ، ومنهم من أخذ درهما ، ومنهم من أخذ أكثر منه ، فلما خرجوا قال النورى : قربكم من الحق وبعدكم على مقدار ما أخذتم.
فصل : أحسن كما أحسن الله إليك :
فإذا علم أن الله سبحانه يعطيه ما يكفيه لم يبخل عليه بما يأمره به ويستدعيه ، بل من آدابهم أن يوسعوا على عباده إذا وسع الله عليهم ، وإذا ضيق الله عليهم انتظروا من الله جميل الفرج وقالوا للناس قولا ميسورا ، فإن البخيل من ضن بالبشر والكلام الحسن.
يحكى عن بعضهم أنه سأله سائل فقال لغلامه : ما الّذي معك؟ قال : أربعمائة دينار ، فقال : ناولها إياه ، فجاء سائل آخر فقال : يا غلام ، ناوله ما معك ، فناوله دينارا ، فجاء سائل ثالث فقال لغلامه : ما معك؟ فقال : درهم ، فقال : ناوله إياه ، فجاء رابع فقال لغلامه : ما معك؟ فقال : ما عندى شيء ، فقيل له : لو لم تدفع الجميع إلى الأول لكان ذلك يتسع لجميعهم ، فقال : إنما تأدبت بأدب الله حيث يقول : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) (١) فأعطينا الأول على السعة ، والثانى عن قلة ، وأما الآخر فلم يكن معنا إلا شيء يسير فأعطيناه إياه ، وأما الآخر فلم يكن معنا شيء ولم يكلفنا الله شيئا فنحن ننتظر الفرج من الله تعالى.
__________________
(١) الطلاق : ٧.