وحكى أن رجلا خطر بباب أمير فرأى الناس محجوبين عليه إلا خادما كان يدخله بلا حجاب ، فسأل عن حاله ، فقيل : دار الحرام متى شاء بلا حجاب ، فقال : ولم؟ فقالوا : إنه مفقود آلة الشهوة ، فقال : سبحان من وعظنى بعد سبعين سنة بخصى ، فمن أراد الدخول بلا حجاب فعليه بترك الشهوات.
فصل : من هو العزيز ومن هو الذليل :
ليس العزيز من تطاول على أشكاله بماله ورياشه (١) وانتظام أسباب معاشه ، ويتطاول على أبناء جنسه ويعجب بسلامة نفسه ، وينسى ما كان يقاسى فى أمسه ، إنما العزيز من له ذرة من روح أنسه ، وجنب عن صحبة نفسه ، وأبناء جنسه ، وشهود قدسه.
واعلم أن الذليل من اعتز بالعصيان ، وتعود موجبات النسيان ، واتصف بالكفر والطغيان ، فهو بآفاته موسوم ، وبمخالفاته فى أغلب أوقاته عن وجود توفيقه محروم ، فإن المشايخ قالوا : ما أعز الله عبدا بمثل ما يدله على ذل نفسه ، وما أذل الله عبدا بمثل ما يرده إلى توهم عزه.
وقيل فى معنى قوله تعالى : (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) (٢) تعز من تشاء بأن يكون لك بك معك بين يديك ، وتذل من تشاء بأن يكون فى أسر نفسه وغطاء شهواته وسجن تمنيه وآفاته ، يصبح عجوبا ويمسى محروما لا بالطاعات توفيق ، ولا بالقلب تصديق ، ولا فى الحال تحقيق ، نعوذ بالله من شر الأقدار وسوء الاختيار ، وبالله التوفيق.
__________________
(١) الرياش : هو الغنى بالمال ، وذو رياش أى صاحب مال كثير.
(٢) آل عمران : ٢٦.