للأمور فإنه لا يتعلق قلبه بغيره ، ولا يشتغل بدون فكره ، يعيش منه بحسن الانتظار ، ولا يزداد بلاء إلا ويزداد بربه ثقة ورجاء (١) ، كيعقوب عليهالسلام قال لبنيه بعد ما طال الأمد وتمادت الغيبة ورجعوا غير مرة خائبين : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) (٢).
ويحكى عن بعض الفقراء أنه كان يأتى كل يوم ويقف بحذاء الكعبة بعد ما كان يطوف ما شاء الله ، ويخرج من جيبه رقعة ينظر فيها ، فلما كان بعد أيام فعل مثل ذلك ثم تباعد ومات ، فجاء بعض من كان يرمقه ونظر فى الرقعة فإذا فيها : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) (٣) فكان الرجل إذا أصابته الفاقة صبر ولم يظهر حاله لمخلوق حتى مات.
* * *
فصل : ما يفتحه الله تعالى لخلقه :
واعلم أنه يفتح للنفوس بركات التوفيق ، وللقلوب زوائد التحقيق ، فبتوفيقه تتزين النفوس بالمجاهدات ، وبتحقيقه تتزين القلوب بالمشاهدات
* * *
__________________
(١) ينبغى أن يعطش العبد إلى أن يصير بحيث ينفتح بلسانه مغاليق المشكلات الإلهية ، ويتيسر بمعرفته ما تعسر على الخلق من الأمور الدينية والدنيوية ليكون له حظ من اسم الفتاح.
(٢) يوسف : ٨٧.
(٣) الطور : ٤٨.