فصل : من علم أنه تعالى رقيب عليه :
ومن علم أنه سبحانه رقيب عليه لم يخاطب أحدا إلا وقلبه مع الله تعالى ، فأوقاته كلها جد وأحواله كلها صدق ، انتفى المزح والهزل عن أحواله أجمع.
سمعت الدقاق يقول : يحكى عن ممشاد الدينورى أنه قال : جرت لى مع فقير حكاية فما مازحت بعدها فقيرا لأنى علمت أن أوقات الفقراء كلها جد وذلك أنه ورد عليّ فقير يوما فقال لى : يا أستاذ أريد العصيدة ، فقلت : إرادة وعصيدة! فمر الفقير وهو يقول : إرادة وعصيدة ، إرادة وعصيدة ، قال : فظننت أنه يمزح فتغافلت عنه ، ثم تذكرت أمره فقلت لبعض أصحابنا : أصلحوا له عصيدة ، قال : فطلب الرجل فلم يوجد ، فسألت عن حاله فقالوا : إنه هام على وجهه فلم يزل يقول : إرادة وعصيدة حتى مات.
ويحكى أنه كان بين أحمد بن أبى الحوارى وبين أبى سليمان الدارانى عقد أن لا يخالفه فى شيء يأمره به ، فسجر أحمد التنور يوما وقال لأبى سليمان سجرت التنور ، فلم يجبه ، فقالها مرتين أو ثلاثا ، وكان أبو سليمان ضاق صدره من شيء فقال : إيش أفعل؟ قال له : مر واقعد فيه ، واشتغل بشيء ثم تذكر أمره بعد ساعة فقال : أدركوا أحمد لأنه فى التنور ، لأن بينى وبينه عقدا أن لا يخالفنى ، قال : فنظروا فإذا أحمد فى التنور لم تتغير منه شعرة.
* * *