فاعلم أن الله سبحانه يكاشف القلوب مرة بوصف جلاله ، ومرة بوصف جماله ، فإذا كاشفها بنعت جماله سارت أحواله عطشا فى عطش ، وإذا كاشفها بوصف جلاله صارت أحواله دهشا فى دهش ، ومن كاشفه بجلاله أفناه ، ومن كاشفه بجماله أحياه ، فكشف الجلال يوجب محوا وغيبة ، وكشف الجمال يوجب صحوا وقربة ، وكشف الجلال يوجب اجتياحا وثبورا ، وكشف الجمال يوجب ارتياحا وسرورا ، والعارفون كاشفهم بجلاله فغابوا ، والمحبون كاشفهم بجماله فطابوا ، فمن غاب فهو مهيم ، ومن طاب فهم مقيم.
فصل : اختصاص الله سبحانه وتعالى الأبرار :
واعلم أن الله سبحانه يختص الأبرار بما يسقيهم من شراب محابه ، ويخص الأحباب بما يلقّيهم من روح أنسه وإتحافه.
فطائفة يحضرهم بلطفه ، وطائفة يسكرهم بكشفه ، فمن أحضره بسطه ، ومن أسكره أخذه عما نيط به واستلبه.
والحقائق إذا اصطلحت على القلوب لا تبقى ولا تذر ، والمعانى إذا استولت على الأسرار فلا عين ولا أثر ، وإن للعلوم على القلوب مطالب وللحقائق سلطان يغلب أقسام المراتب ، فالحال تؤذن حتى ليس الأقرب ، والحقائق تبرز نعت الصمدية حتى لا قرب ، وفى معناه أنشدوا :
يا من أشاهده عندى فأحسبه |
|
منى قريبا وقد عزت مطالبه |
وأنشدوا :
فقلت لأصحابى هى الشمس ضوؤها |
|
قريب ولكن فى تناولها بعد |