أحدها : الثناء عليه بذكر إحسانه وإنعامه.
والثانى : الثناء عليه بذكر استحقاقه لصفات ذاته.
والثالث : الثناء عليه بذكر وجوده على وصف لا يشاركه فيه موجود.
وهذه الآية تشتمل على هذه الوجوه ، فإنها إن كانت من البركة فهى فضله وإحسانه ، وذلك فعله ، وإن قلنا : إنه بمعنى تعظم ، فعظمته استحقاقه لصفات العلو والمجد كعلمه الشامل وإرادته النافذة وقدرته الماضية ، إلى سائر صفات ذاته ، وإن قلنا : إنه من بروك الطير على الماء فهو إخبار عن وجوده ، بشرط القدم ونعت البقاء والدوام.
وكل من ذكر الله سبحانه باسم من أسمائه وأثنى عليه بنعت من نعوته فإن من آداب ذلك أن يطالب نفسه بمقتضى ذلك الاسم وموجب ذلك الذكر ، فمن أثنى عليه بقوله : تبارك ، فمن الواجب أن يقوم بآداب هذا الخطاب ، فإن قلنا إنه من بروك الطير على الماء فهو إخبار عن وجوده بشرط البقاء ، فينبغى لهذا الذاكر إذا عرف وجود الحق سبحانه أن يصغر الخلق فى عينه.
وقد سئل بعضهم عن التوحيد فقال : هو أن تشهد للعالم وجودا بين طرفى عدم ، بمعنى أن الأغيار والرسوم والأطلال والأمثال والأشكال من العدم وجدت بقدرة خالقها ، وآثارها يستحيل عليها الدوام ، وما يصح لها البقاء منها فجواز العدم معها لأن بقاءها بإبقاء المبقى ، ولو قطع عنها البقاء لتلاشت ، وقد قال تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قال بعض الناس : كل حي ميت إلا الله ، نظيره : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) أى مات ، وقال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) فإذا عرف العبد أن العالم بعرض الفناء لم يوطن إلا على كراهتها نفسه ، ولم يطلب فيها راحته وأنسه ،