الوسنان ، وبين الحالتين وإن صفتا ، والمنزلتين وإن علتا بون ، عبد هو بوصف مجاهدته ، وعبد هو بعين مشاهدته ، الفاروق قال : أطرد الشيطان ، وهو صفة المجاهدين ، والصّدّيق قال : أسمع من أناجى ، وهو نعت العارفين.
وقال بعضهم : تأويل الآية : لا تجهر بجميع صلاتك ولا تخافت بالكل ، أى اجهر صوتك ببعض الصلوات : المغرب والعشاء والصبح ، وأسر فى البعض الظهر والعصر ، وهذا روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «صلاة النهار عجماء» وفى هذا تنبيه على فساد قول الباطنية حيث يطلبون الأسباب فى تفصيل العبادات ، فإن الشرع غير معلل (١) ، بل أمرنا برفع الصوت فى بعض الصلوات والإسرار فى بعض ، ولو كان الأمر بالعكس لكان سائغا.
وكذلك القول فى تثنية السجود وإفراد الركوع ، وعدد الصلوات ، وغير ذلك من العبادات ، وفيه إشارة إلى ترك ما عليه العادة ، لأن عادة الناس التصرف والحركة بالنهار ، والسكون بالليل ، فأمرنا بترك الجهر بالنهار خلافا للعادة ، وبرفع الصوت بالليل خلافا للعادة ، ولهذا قيل : الإرادة ترك ما عليه العادة.
وروى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : نزلت هذه الآية فى التشهد ، أى لا ترفع صوتك فى قراءتك التشهد ، ولا تخافت بها أى : اذكر ذلك بلسانك وأسمع نفسك ، فتكون الصلاة هاهنا بمعنى الدعاء على هذا ، والإشارة فيه أن التشهد فى حال الجلوس ، والقعود بحضرة الملوك يدل على القربة ، والقربة توجب الهيبة.
قال الله تعالى : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً)
__________________
(١) ما دمت آمنت بالله تعالى ربا وبمحمد صلىاللهعليهوسلم نبيا ورسولا فلا تقل لما أمراك به : لم كان هذا؟ ولم كان هذا؟ ولكن استجب وافعل.