بل من علم أنه الباقى لا يزال علم أن فيه خلفا من كل تلف ، بل من علم أنه لا يصل إلى مولاه إلا بعد موته اشتاق إلى وفاته.
قيل لبعضهم : إن الدنيا لا تساوى مع الموت شيئا ، فقال : بل الدنيا لو لم يكن الموت ما كانت تساوى شيئا.
وقيل : الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب ، وأنشدوا :
أنت تبقى والفناء لنا |
|
فإذا أفنيتنا فكن |
حكى عن على بن أبى الفتح أنه رأى الناس يتقربون بقرابينهم فى يوم عيد : فقال : إلهى الناس يتقربون إليك بقرابينهم وأنا أتقرب إليك بأحزانى ، وغشى عليه ، فلما أفاق قال: إلهى كم ترددنى فى هذه الدنيا؟ قال : فمات من ساعته.
وقيل : من أمارات الاشتياق إلى الله تعالى تمنى الموت على بساط العافية.
وأما من عرف أنه القيوم بالأمور استراح عن كد التدبير وتعب الأشغال وعاش براحة التفويض فلم يضن بكريمة ولم يجعل فى قلبه للدنيا كبير قيمة.
يحكى عن الطرماح أنه قال : كنت عند الحسين بن على بن أبى طالب رضوان الله عليهما إذ جاءه سائل فسأله شيئا فأعطاه نعليه ، فقلت : يا ابن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، الله أولى بعباده ، فقال : اسكت يا طرماح ، فأنا أستحي من الله أن أسأله فيعطينى ثم لا أعطى من يسألنى.
حكى عن بعضهم أنه قال : من اهتم للخبز فليس له عند الله قدر ، وإنما قال ذلك لأنه إذا علم أنه القائم بتدبير الأمور لا ينبغى له أن يهتم للخبز ولا لغيره ، ولهذا قيل : من صح توكله فى نفسه صح توكله فى غيره.
وقال الأكابر : إن جميع كرائم الدنيا والعقبى عند الله أقل من تبنة عند