فرآها تتوضأ من جرة من خزف ، فقال فى نفسه : عجوز فى جيرتى ليس لها قمقمة ، ثم فكر وقال : إن أمرت لها بقمقمة فإنها تخجل وتعلم أنى اطلعت عليها ، فأمر بأن يعطى لكل واحد من جيرانه قمقمة حتى دفع إليها قمقمة ولم تخجل.
وقيل : الكريم هو الّذي إذا أذنبت اعتذر عنك ، وإذا هجرت وصلك ، وإذا مرضت عادك ، وإذا وافيت من السفر زارك ، وإذا افتقرت أحسن إليك ببقية ماله ، وقيل : الكريم هو الّذي إذا رفعت إليه حاجة عاتب نفسه كيف لم يبادر إلى قضائها قبل أن تسأله.
حكى عن على رضى الله عنه أنه جاءه إنسان ليلة يسأله حاجة ، فقال : ارفع السراج يا غلام ، فقيل له فى ذلك فقال : لئلا أرى فى وجهه ذل السؤال.
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمى يقول : كان الأستاذ أبو سهل الصعلوكى ، رحمهالله ، لا يناول أحدا شيئا من عطائه بيده ، بل كان يضعه على الأرض ليأخذه المستحق ، ويقول : الدنيا أقل خطرا من أن أرى يدى لأجلها فوق يد أحد.
روى فى بعض الأخبار أنه قال : لا تقولوا لشجرة العنب الكرم ، فإنما الكرم قلب الرجل المسلم ، والعرب كانت تسمى العنب الكرم ، وكان الأصل كرما فلما كثر على لسانهم قالوا : كرم ، يقال : رجل كرم ورجلان كرم ، والذكر والأنثى والجمع والتثنية فيه سواء كما يقال : رجل عدل وصوم وخصم ، ورجلان كذلك ، ورجال كذلك أيضا ، وكذلك كل اسم يسمى باسم المصدر ، وإنما سمت العرب العنب الكرم للطافة شجره وطيب ثمره وتأتى قطافه من غير تجشم مشقة ، وليس له شوك يضر جانيه كما للنخل ، ولا يحتاج قاطفه إلى ارتقاء شجره ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الرجل المؤمن أولى باستحقاق هذه التسمية لما فيه من كرم السجايا».