ردوه ، ثم يسأله ويقول : لم التفتّ؟ فيقول : يا رب ، لما بلغت ثلث الطريق تذكرت قولك : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) (١) فقلت : لعلك أن تغفر لى ، فلما بلغت نصف الطريق تذكرت قولك : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) (٢) قلت : لعلك تغفر لى ، فلما بلغت ثلثي الطريق تذكرت قولك : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (٣) فازددت طمعا ، فيقول الله تعالى : اذهب فقد غفرت لك.
قال الله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) (٤) كأنه قال : من أرخى عمره فى الزلات ، وأفنى حياته فى المخالفات ، وأبلى شبابه فى البطالات ، ثم ندم قبل الممات وجد من الله العفو عن السيئات ، لأن قوله : (ثُمَ) يقتضي التراخى ، كأنه قال : من لم يتب فى الحال ولكن فى آخر العمر.
وقيل : إن رجلا كان يقول : إلهى أبطأت ، إلهى أبطأت ، فهتف به هاتف لم تبطئ، إنما أبطأ من مات ولم يتب.
وقوله تعالى : (يَعْمَلْ سُوءاً) إخبار عن الفعل ، وقوله : (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ) إخبار عن القول ، كأنه قال : الذين زلاتهم أفعال ، توبتهم أقوال.
ولقد سهل عليك الأمر من رضى عنك بمقاله وقد عملت ما عملت ، ثم انظر إيش قال فى قوله : (يَجِدِ اللهَ) طلبوا المغفرة فوجدوا الله ، أى نكتة لمن يعقلها ، ليس العجب من السيارة حيث طلبوا الماء ليشربوا فوجدوا يوسف ، إنما العجب من عاص طلب المغفرة فوجد الله تعالى.
__________________
(١) الكهف : ٥٨.
(٢) آل عمران : ١٤٥.
(٣) الزمر : ٥٣.
(٤) النساء : ١١٠.