وكان الشيخ أبو على الدقاق يحكى أن بعض الأمراء كان له وزير ، وكان بين يديه يوما فسمع بعض الغلمان يحدث بعضا ، فنظر الوزير إلى من يحدث ، فاتفق أن الأمير نظر إلى الوزير فخاف الوزير أن الأمير توهم بأنه نظر إلى ذلك الغلام بالريبة فجعل ينظر إليه ليرى من نفسه أن ذلك حول فيه ، فكان يدخل على الأمير كل يوم على ذلك الوصف حتى توهم الأمير أن ذلك فيه خلقة.
فإذا كان المخلوق يراعى من مخلوق كل هذه المراعاة فأولى بالعبد أن يستحيى من ربه فيترك ما نهاه عنه لعلمه بأنه يراه.
وحكى أن إبراهيم بن أدهم كان يصلى قاعدا فجلس ومد رجله ، فهتف به هاتف : أهكذا تجالس الملوك؟
وكان الجريرى لا يمد رجله فى الخلوة ، فقيل : إنه ليس يراك أحد وقد خلوت بنفسك ، فهلا تمد رجلك؟ فقال : حفظ الأدب مع الله أحق ، وفى معناه أنشدوا :
كأن رقيبا منك يرعى خواطرى |
|
وآخر يرعى ناظرى ولسانى |
فما رمقت عيناى بعدك منظرا |
|
يسوؤك إلا قلت قد رمقانى |
وما خطرت فى السر منى خطرة |
|
لغيرك إلا عرجا بعنانى |
__________________
ـ وقام بحفظها على الدوام على مقتضى تقويمه ، فهو مهيمن بالإضافة إلى قلبه ، فإن اتسع إشراقه واستيلائه حتى قام بحفظ عباد الله على نهج السداد بعد اطلاعه على بواطنهم وأسرارهم بطريق التفرس والاستدلال بظواهرهم كان نصيبه من هذا المعنى أوفر حظا وأتمه.