من يكون من الابتداء إلى الانتهاء على وصف الوفاق محروسا من التدنس والزلات ، محفوظا عن التلبس بالمخالفات ، غذتهم الرحمة وربتهم الرعاية وكنفتهم القربة ، وشملتهم الوصلة ، غار الحق سبحانه وتعالى على أحوالهم وأوقاتهم أن تضيع ، أو يكون لغير الله تعالى فيها نصيب.
فمن هؤلاء : أبو زيد البسطامى فإنه دخل على والدته فى حال صباه يوما ، وقال : إنى أجد فى قلبى حزازة لست أدرى ما سببها ، وقد حاسبت نفسى فلم أقف على ما يوجبها ، فهل أطعمتنى فى حال صباى شيئا من غير وجهه؟ ففكرت فتذكرت أنها سرحته يوما بدهن لبعض الجيران بغير علمهم ولا طيب نفوسهم ، واحتاجت أن تطلب عليهم ، فاستحلت منهم ، فزال عن قلبه ما كان يجده.
وقيل : إن رجلا جاءه فسأله عن بداية أمره ليستن بهداه ويسلك مثل طريقته ، فقال : هو أن تكون فى بطن أمك بحيث لو أرادت أن تتناول شيئا من المحظورات انقبضت يدها.
وهكذا سهل بن عبد الله ، فإنه قال : لما أسلمونى إلى الكتّاب كنت إذا اشتغلت بتعلم القرآن ذهل قلبى ، وإذا اشتغلت بمراعاة القلب ذهب حظى ، قال : فدعوت الله عزوجل حتى سهّل على الجمع بين التعلم ومراعاة القلب.
وحكى عنه خاله معروف أنه كان يسهر لصلاة الليل قال : وكان سهل لا ينام فنظر إليه ، وهو ابن ثلاث سنين ، وكان يقول خاله : يا سهل نم ولا تشغلنى ، فكان لا يأخذه النوم حتى يلقنه ذكر الله عزوجل ، إلى أن قال لخاله : ما تقول فيمن كشف لقلبه شيء فسجد قلبه له؟ فقال : إلى متى؟ قال : للأبد ، قال له خاله : أنا لا أعرف هذه المسألة ، وحالتى لا تبلغ هذه الرتبة.
وحكى أن يحيى بن معاذ الرازى كانت له بنية فطلبت من أمها شيئا تأكله ،