____________________________________
وأخذ بظاهره الجبرية فقالوا : إن الله تعالى خلق المؤمنين مؤمنين وخلق الكافرين كافرين ، وإبليس لم يزل كافرا وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما كانا مؤمنين قبل الإسلام والأنبياء عليهمالسلام كانوا أنبياء قبل الوحي ، وكذا إخوة يوسف كانوا أنبياء وقت الكبائر.
وقال أهل السّنّة والجماعة : صاروا أنبياء بعد ذلك وإبليس صار كافرا وهذا لا ينافي كونه كافرا عند الله باعتبار تعلق علمه بأنه سيصير كافرا بعلمه ، ولو كان جبرا محضا لما صدر من إبليس طاعة ، ولا من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما معصية ، فبطل قولهم أن الكفار مجبورون على الكفر والمعصية والمؤمنين مجبورون على الإيمان والطاعة بل نقول : إن العبد مختار مستطيع على الطاعة والمعصية ، وليس بمجبور والتوفيق من الله تعالى كما يدل عليه قوله سبحانه : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (١) ، فلو كانوا مؤمنين لما أمرهم بالإيمان ولما خاطبهم بقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٢). وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في تفسير هذه الآية : أخذ الله تعالى الميثاق من ظهر آدم عليهالسلام فأخرج من ظهره كل ذريته فنشرها بين يديه جميعا وصوّرهم وجعل لهم عقولا يعلمون بها وألسنا ينطقون بها ، ثم كلّمهم قبلا أي عيانا يعاينهم آدم عليهالسلام ، وقال : ألست بربكم قالوا : بلى شهدنا ، وتلاها إلى قوله تعالى : (الْمُبْطِلُونَ) (٣) فإن قيل فما وجه إلزام الحجة بهذه الآية ونحن لا نذكر هذا الميثاق وإن
__________________
ـ مسلم بن يسار الجهني ، عن نعيم بن ربيعة ، قال : كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) فذكره ، وقال الحافظ الدارقطني : وقد تابع عمر بن جعثم يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وقولهما أولى بالصواب من قول مالك. قال ابن كثير : الظاهر أن مالكا إنما أسقط نعيم بن ربيعة عمدا ، لمّا جهل حال نعيم ، ولم يعرفه ، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ، وكذلك يسقط ذكر جماعة ممّن لا يرتضيهم ، ولهذا يرسل كثيرا من المرفوعات ، ويقطع كثيرا من الموصولات. ا. ه.
(١) النساء : ١٣٦.
(٢) الأعراف : ١٧٢.
(٣) أخرجه أحمد ١ / ٧٧٢ ، والطبري ١٥٣٣٨ ، وابن أبي عاصم ٢٠٢ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف ٤ / ٤٤٠ كلهم من طريق حسين بن محمد ، عن جرير بن حازم ، عن كلثوم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وهذا إسناد على شرط مسلم ، وصحّحه الحاكم ٢ / ٥٤٤ ، ووافقه الذهبي ، وذكره الهيثمي في المجمع ٧ / ٢٥ ، وقال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ، ونقله ابن كثير في تفسيره ٢ / ٢٦٢ عن المسند وقال : ـ