وملائكته وكتبه ورسله
____________________________________
رواية أخرى حتى يقولوا لا إله إلا الله (١) والمعنى صدقت معترفا بوجود الله سبحانه وتعالى وتوحّده في ذاته وتفرّده في صفاته (وملائكته) بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وإنهم معصومون ولا يعصون الله ومنزّهون عن صفة الذكورية ونعت الأنوثية ، وقد أنكر الله في كتابه على من قال : إنهم بنات الله حيث قال : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) (٢). وقال أيضا : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣). وذكر في جواهر الأصول أن الملائكة ليس لهم حظ من نعيم الحنان ، ولا من رؤية الرحمن ، كذا في شرح القونوي لعمدة النسفي (٤) ، وذكر أيضا أنهم أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكّل بأشكال مختلفة أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع مسكنهم السموات أي مسكن معظمهم قال : وهذا قول أكثر المسلمين (وكتبه) أي المنزلة من عنده كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان وغيرها من غير تعيين في عددها (ورسله) أي جميع أنبيائه أعمّ من أنه أمر بتبليغ الرسالة أم لا.
وظاهر كلام الإمام ترادف النبي والرسول كما اختاره ابن الهمام (٥) إلا أن الجمهور على ما قدّمناه من أن الرسول أخصّ من النبي في تحقيق المرام ولا نعيّن عددا لئلا يدخل فيهم من ليس منهم ، أو يخرج منهم من هو منهم ، والترتيب بين الثلاثة باعتبار أن الملائكة يأتون بالكتب إلى الرسل ، وإلا فالكتب أفضل من الملائكة بالإجماع ، فإنها كلام
__________________
(١) أخرجه ابن أبي شيبة ١٠ / ١٢٢ ومسلم ٢١ ح ٣٥ وأبو داود ٢٦٤٠ والترمذي ٢٦٠٦ والنسائي ٦ / ٦ ، ٧ وابن ماجة ٣٩٢٧ وأحمد ٢ / ٣١٤ والدارقطني ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ وابن حبان ١٧٤ كلهم من حديث أبي هريرة ، ونصه : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله فإذا شهدوا أن لا إله إلّا الله وآمنوا بي وبما جئت به عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
(٢) الزخرف : ١٩.
(٣) الصّافّات : ١٥٤.
(٤) هو عمدة العقائد للإمام حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي المتوفى سنة ٧١٠ ه وهو مختصر يحتوي على أهم قواعد علم الكلام ثم شرحه مصنّفه وسمّاه الاعتماد وجاء من بعده من شرحه أكثر من واحد منهم جمال الدين محمود بن أحمد القونوي المتوفى ٧٧٠ ه ، وشرحه أيضا محمد بن يوسف بن إلياس الرومي القونوي المتوفى سنة ٧٨٨ ه. انظر كشف الظنون ٢ / ١١٦٨.
(٥) هو محمد بن عبد الواحد الشهير بابن الهمام ، له تصانيف معتبرة منها فتح القدير شرح فيه الهداية ، وله التحرير في الأصول ، وسلك مسالك الإنصاف بعيدا عن التعصّب المذهبي خصوصا في فتح القدير. توفي سنة ٨٦١ ه.