____________________________________
والشقاوة بالخاتمة حتى أن المؤمن السعيد من مات على الإيمان ، وإن كان طول عمره على الكفر والعصيان والكافر الشقي من مات على الكفر ، وإن كان طول عمره على التصديق والشكر كما يدلّ عليه حديث : «إنّ أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل عمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها ، وإنّما الأعمال بالخواتيم» ، وكما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى في حق إبليس : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١) حيث دلّت الآية على أن إبليس لم يزل كافرا مع صحة إيمانه وكثرة طاعاته قبل خلق آدم عليهالسلام حتى عدّ من الملائكة الكرام ، فظهر أن المعتبر هو إيمان الموافاة الواصل إلى آخر الحياة ، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام : «السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه» (٢). فإن المراد بالسعادة فيه السعادة المعتدّ بها لمن علم الله تعالى أن يختم له بالسعادة ، وكذا في جانب الشقاوة ، ولذا قال أرباب العقائد : السعيد وهو المتّصف بسعادة الإيمان بظاهر الحال قد يشقى بأن يرتدّ في المآل ، والشقي قد يسعد في المقال والأفعال ، والتغيّر قد يكون على السعادة والشقاوة دون الإسعاد والإشقاء ، فإنهما من صفات الله سبحانه وتعالى لأن الإسعاد تكوين السعادة والإشقاء تكوين الشقاوة ، ولا تغيّر على الله تعالى ولا على صفاته فلا يلزم من تغيرهما أن يكون علم الله تعالى متغيّرا ، فإن القديم لا يكون محلا للحوادث فعلى هذا يصحّ أن يقال في قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣). أي صار منهم مع أن العارفين قالوا الارتداد علامة عدم الإسعاد ، فمن رجع فإنما رجع عن الطريق فإن السعيد الحقيقي لم يزل عن التحقيق وإليه الإشارة بقوله سبحانه : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) (٤). أي لا انقطاع لوصلها ، ومن حكم شيخ مشايخنا أبي الحسن البكري : إذا دخل الإيمان القلب أمن السلب.
__________________
(١) أخرجه البخاري ٢٨٩٨ و ٤٢٠٢ و ٦٤٩٣ ، ومسلم ١١٢ ، وأحمد ٥ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ و ٣٣٥ ، وابن حبان ٦١٧٥ ، والطبراني في الكبير ٥٧٨٤ ، وابن أبي عاصم في السنة ٢١٦ ، والبيهقي في الدلائل ٤ / ٢٥٢ ، والآجري في الشريعة ص ١٨٥ ، وأبو عوانة في مسنده ١ / ٥٠ ـ ٥١. كلهم من حديث سهل بن سعد.
(٢) أخرجه البزار ، والطبراني في الصغير كما في المجمع ٧ / ١٩٣ من حديث أبي هريرة. قال الهيثمي : ورجال البزار رجال الصحيح. ا. ه.
(٣) البقرة : ٣٤.
(٤) البقرة : ٢٥٦.