____________________________________
مسلم وليس بمؤمن لأن الناس كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ثلاث فرق مؤمن ومنافق وكافر ليس فيهم رابع ، فالمؤمن من أيّ الفرق كالحشوية والظاهرية لا يصحّ أن يقال إنه من الكافرين للإجماع على خلافه ، ولقوله سبحانه : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (١) الآية ، فإن قالوا : إنه من المؤمنين تركوا مذهبهم ، وإن قالوا من المنافقين فيكون الإسلام هو النفاق عندهم فينبغي أن لا يقبل غير النفاق لقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٢). وكذا يجب أن يكون مرضيا لقوله تعالى : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٣) ، وأما قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (٤). فظاهر في التغاير بينهما باعتبار اختلاف اللغة في مفهوميهما وحاصلهما أن الإسلام المعتبر في الشرع لا يوجد بدون الإيمان وهو في الآية بمعنى الانقياد الظاهر من غير انقياد الباطن بمنزلة المتلفّظ بكلمة الشهادة من غير تصديق معتبر في حق الإيمان ، وأما قوله صلىاللهعليهوسلم في جواب جبرائيل عليهالسلام الإسلام : أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان ، وتحجّ البيت (٥) الحديث ، فدليل على مغايرته للإيمان المفسّر في ذلك الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله إلخ ... وفق الاستعمال اللغوي ، وهو لا يخالف الاصطلاح الشرعي من اعتبار جمعهما غايته أن الإيمان هو التصديق القلبي من الانقياد الباطني ، والإسلام هو إظهار ذلك الانقياد الباطني بالإقرار اللساني والإذعان للأحكام الإسلامية فلا يشكل بإدخال إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في مفهوم الإسلام على ما عليه أهل السّنّة والجماعة من أن عمل الطاعات خارج عن حقيقة الإيمان والإسلام ، نعم ظاهر الحديث يؤيد قول الجمهور من أن الإقرار شرط الإيمان لا أنه شطر وركن من الإيمان وأنه يحتمل السقوط في بعض الأحيان على أن القائلين بعدم اعتبار الإقرار اتفقوا على أن يعتقد أنه متى طولب به أتى به ، فإن طولب به فلم يقرّ فهو كفر عناد ، وهذا معنى ما قالوا : ترك العناد شرط وفسّروه به كما حقّقه ابن الهمام.
والحاصل أنه لا بدّ من وجودهما حتى يحكم على أحد بأنه من أهل الإيمان ،
__________________
(١) الحج : ٧٨.
(٢) آل عمران : ٨٥.
(٣) المائدة : ٣.
(٤) الحجرات : ١٤.
(٥) تقدّم تخريجه فيما سبق.