____________________________________
ووجوب التفويض والتسليم إلى أمر الربوبية ، وفيه أن التعبّد إنما يكون فيما هو غير معقول المعنى ، وما نحن فيه ليس من ذلك المبنى ، ولذا ترك التعبّد في شرح المقاصد.
ثم اعلم أنه سبحانه قدّر للخلق أقدارا وضرب لهم آجالا. قال الله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (١). وقال الله تعالى أيضا : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٢). وفي صحيح مسلم عن ابن عمرو (٣) رضي الله عنهما مرفوعا : أنه عليه الصلاة والسلام قال : قدّر الله تعالى مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء (٤) ، وقال الله تعالى : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) (٥). وقال الله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) (٦). وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قالت أم حبيبة : اللهمّ متّعني بزوجي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية ، قال : فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : قد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لن يعجل شيئا قبل حلّه ، ولن يؤخّر شيئا عن محله ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار ، وعذاب القبر كان خيرا وأفضل» (٧).
فالمقتول ميت بأجله وقد علم الله تعالى وقدّر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض ، وهذا يموت بسبب القتل ، وهذا بالهدم ، وهذا بالهرم ، وهذا بالغرق ، وهذا بالحرق ، وهذا بالقبض ، وهذا بالإسهال ، وهذا بالسّمّ ، وهذا بالغمّ والله سبحانه خلق الموت والحياة وخلق أسبابهما ، ولهذا كان أحمد بن حنبل رحمهالله يكره أن يدعى له بطول العمر ، ويقول : هذا أمر قد فرغ منه ، وقد علم من حديث أم حبيبة رضي الله عنها
__________________
(١) الفرقان : ٢.
(٢) القمر : ٤٩.
(٣) تصحفت في الأصل إلى ابن عمر والصواب ابن عمرو كما في مسلم وبقية المصادر.
(٤) أخرجه مسلم ٢٦٥٣ من حديث عبد الله بن عمرو : بلفظ «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، قال : وعرشه على الماء». وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص ٣٧٤ بلفظ : «قدّر الله المقادير». وأخرجه أيضا بلفظ : «فرغ الله عزوجل من المقادير وأمور الدنيا قبل أن يخلق السموات والأرض ـ وعرشه على الماء ـ بخمسين ألف سنة».
ورواه من دون قوله : «وعرشه على الماء» أحمد ٢ / ١٦٩ ، والترمذي ٢١٥٦.
(٥) المنافقون : ١١.
(٦) آل عمران : ١٤٥.
(٧) أخرجه مسلم ٢٦٦٣ ح ٣٢ و ٣٣ بلفظ «اللهم أمتعني» ، وأحمد ١ / ٣٩٠ و ٤١٣ و ٤٣٣ و ٤٤٥ و ٤٦٦ ، والسّنّة لابن أبي عاصم ٢٦٢ و ٢٦٣ ، ومصنّف ابن أبي شيبة ١٠ / ١٩٠ ـ ١٩١.