____________________________________
المضاف وأراد أنه يرى أنوار صفاته ويشاهد آثار مصنوعاته ، فهذا جائز بلا مرية كما ورد عن بعض الصوفية ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ، أو بعده أو فيه ، أو معه (١) ، وأما من ادّعى هذا المعنى لنفسه من غير تأويل في المبنى فهو في اعتقاد فاسد ، وزعم كاسد ، وفي حضيض ضلالة وتضليل ، وفي مطعن وبيل بعيد عن سواء السبيل.
فقد قال صاحب التعرّف (٢) وهو كتاب لم يصنّف مثله في التصوّف أطبق المشايخ كلهم عن تضليل من قال ذلك ، وتكذيب من ادّعاه هنالك وصنّفوا في ذلك كتبا ورسائل منهم أبو سعيد الخزاز (٣) والجنيد (٤) ، وصرّحوا بأن من قال ذلك المقال لم يعرف الله الملك المتعال ، وأقرّه الشيخ علاء الدين القونوي في شرحه ، وقال : إن صحّ عن أحد دعوى نحوه فيمكن تأويله بأن غلبة الأحوال تجعل الغائب كالشاهد حتى إذا كثر اشتغال السرّ بشيء واستحضاره له يصير كأنه حضر بين يديه (٥). انتهى.
ويؤيده حديث الإحسان : «أن تعبد الله كأنك تراه» (٦). وكذا حديث عبد الله بن عمر حال الطواف : كنّا نتراءى الله (٧) ، وقال صاحب عوارف المعارف (٨) في كتابه أعلام الهدى وعقيدة أرباب التّقى : أن رؤية العيان متعذّرة في هذه الدار لأنها دار الفناء ، والآخرة هي دار البقاء فلقوم من العلماء نصيب من علم اليقين في الدنيا وللآخرة أعلى منهم مرتبة نصيب من عين اليقين ، كما قال قائلهم رأى قلبي ربي. انتهى.
__________________
(١) هذا قول الصوفية القائلين بالاتحاد ووحدة الوجود فهم لا يفرّقون بين العبد والرب فكلاهما شيء واحد عندهم. انظر فصوص الحكم وغيرها من كتبهم.
(٢) هو كتاب التعرّف لمذهب أهل التصوّف لأبي بكر محمد الكلاباذي المتوفى سنة ٣٨٠ ه. وهو كتاب مختصر مشهور عند الصوفية الذين قالوا عنه لو لا التعرّف لما عرف التصوّف.
(٣) صوفي من متصوّفة بغداد ، توفي سنة ٢٧٧ ه.
(٤) هو إمام الطائفة الصوفية ، توفي في بغداد سنة ٢٩٧ ه.
(٥) يحاول المتصوفة تأويل كلام الكفر الذي ينطق به بعضهم إخفاء لحقيقة قولهم بوحدة الوجود وما شابه ذلك من كفريات وشطحات.
(٦) هو بعض حديث أخرجه مسلم ٨ ، وابن أبي شيبة ١١ / ٤٤ ـ ٤٥ ، وأبو داود ٤٦٩٥ ، والترمذي ٢٦١٠ ، والنسائي ٨ / ٩٧ ، وابن ماجة ٦٣ ، وأحمد ١ / ٥٢ و ٥٣ ، وابن حبان ١٦٨ ، والبغوي في شرح السّنّة ٢ و ٣ و ٤ ، وابن مندة في الإيمان ١ و ٢ و ٣ كلهم من حديث عمر بن الخطاب.
(٧) لم أقف عليه بعد بحث وهو موضوع على ابن عمر.
(٨) هو عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي الصوفي البغدادي المتوفى سنة ٦٣٢ ه.