لِلنَّاسِ) (١). أي القرآن كفاية لهم في الموعظة في أمر معاشهم ومعادهم ، وقال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) (٢). أي القرآن تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان مع علمهم بأنك أمّيّ لا تكتب ولا تقرأ ، ومنها أن مآل علم الكلام والجدل إلى الحيرة في الحال والضلال والشك في المآل ، كما قال ابن رشد الحفيد ، وهو من أعلم الناس بمذهب الفلاسفة ومقالاتهم في كتابه تهافت التهافت (٣) : ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتدّ به ، وكذلك الآمدي (٤) أفضل أهل زمانه واقف في المسائل الكبار جائر ، وكذلك الغزالي انتهى آخر أمره إلى التوقف والحيرة في المسائل الكلامية ، ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم فمات والبخاري على صدره ، وكذا الرازي (٥) قال في كتابه الذي صنّفه في أقسام [اللذّات] (٦) :
نهاية إقدام العقول عقال |
|
وغاية سعي العالمين ضلال |
وأرواحنا في وحشة من جسومنا |
|
وحاصل دنيانا أذّى ووبال |
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا |
|
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا (٧) |
__________________
(١) إبراهيم : ٥٢.
(٢) العنكبوت : ٥١.
(٣) ص ٨٨ ونصّه فيه : ... مع أنه لم يقل أحد من الناس في العلوم الإلهية قولا يعتدّ به.
(٤) هو أبو الحسن علي بن أبي محمد بن سالم التغلبي الفقيه الأصولي الملقّب سيف الدين ، كان في أول اشتغاله حنبلي المذهب ثم انتقل إلى المذهب الشافعي وتعلّم في بغداد ، والشام ، وانتقل إلى القاهرة فدرس فيها ثم خرج إلى حماه ومنها إلى دمشق وتوفي بها سنة ٦٣١ ه ودفن بسفح جبل قاسيون. من كتبه الجيدة في أصول الفقه «الإحكام في أصول الأحكام» ، وهو مطبوع مترجم في سير أعلام النبلاء ٣٢٢ / رقم الترجمة (٢٣٠).
(٥) ترجمة الذهبي في السير ٢١ / رقم الترجمة ٢٦١ فقال العلّامة الكبير ذو الفنون فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني الأصولي ، المفسّر كبير الأذكياء والحكماء والمصنّفين ، ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة واشتغل على أبيه ضياء الدين خطيب الريّ ، وانتشرت تواليفه في البلاد شرقا وغربا. وكان يتوقّد ذكاء ، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وانحرافات عن السّنّة ، والله يعفو عنه ، فإنه توفي على طريقة حميدة والله يتولى السرائر.
(٦) ورد في الأصل أقسام الذات : والصواب أقسام اللذّات كما ورد في العقيدة الطحاوية ١ / ٢٤٤ ، والمؤلف رحمهالله نقل الكلام حرفيّا من هناك فليتنبّه.
(٧) هي في عيون الأنباء ٢ / ٢٨ ، ووفيات الأعيان ٤ / ٢٥٠ ، وطبقات الشافعية للسبكي ٨ / ٩٦.
وزاد شارح الطحاوية : ٢ / ٢٤٤ البيتين التاليين :
فكم ندّ رأينا من رجال ودولة |
|
فبادوا جميعا مسرعين وزالوا |
وكم من جبال قد علت شرفاتها |
|
رجال فزالوا والجبال جبال |