وقد فصل الإمام حجة الإسلام في إحياء العلوم (١) هذا المرام حيث قال : فإن قلت فعلم الجدل والكلام مذموم كعلم النجوم (٢) أو هو مباح أو مندوب ، [إليه] (٣)؟ فاعلم أن للناس في هذا غلوّا وإسرافا في أطراف ، فمن قائل : إنه بدعة وحرام (٤) وإن العبد أن يلق (٥) الله بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام ، ومن قائل : إنه فرض (٦) أما على الكفاية ، وأما (٧) على الأعيان ، وأنه أفضل العبادات (٨) وأكمل القربات ، فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله المجيد (٩) قال : وإلى التحريم ذهب الشافعي (١٠) ومحمد ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان (١١) وجميع أئمة الحديث من السلف رضي الله عنهم ، وساق ألفاظا عن هؤلاء وإنهم قالوا ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح في ترتيب الألفاظ من سائر الخلائق إلا لما يتولد منه من الشر ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : «هلك المتنطّعون» (١٢). أي المتعمّقون في البحث واحتجوا
__________________
ـ بكلام أرسطو وترجمه إلى العربية ، وزاد عليه زيادات كثيرة ، وصنّف نحو خمسين كتابا من كتبه «الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملّة» في العقيدة وانتقد فيه مدارس علم الكلام ، «وبداية المجتهد ونهاية المقتصد» في الفقه المقارن ، ويلقب بابن رشد الحفيد تمييزا له عن جده أبي الوليد محمد بن أحمد المتوفى سنة (٥٢٠ ه) مترجم في سير أعلام النبلاء ١٩ / رقم الترجمة (٢٩٠).
(١) انظر الإحياء ١ / ٩٤ ـ ٩٥ ، وانظر شرح العقيدة الطحاوية ١ / ٢٣٦ ، والمؤلف رحمهالله نقل كلام الغزالي من الطحاوية.
(٢) في الإحياء ١ / ٩٤ ـ ٩٥ فتعلّم الجدل والكلام مذموم كتعلّم النجوم.
(٣) [إليه] زيدت من الإحياء ١ / ٩٥.
(٤) في الإحياء أو حرام.
(٥) في الإحياء : إن لقي الله.
(٦) في الإحياء : إنه واجب وفرض.
(٧) في الإحياء : إما على الكفاية أو على الأعيان.
(٨) في الإحياء : وإنه أفضل الأعمال وأعلى القربات.
(٩) في الإحياء : ونضال عن دين الله تعالى.
(١٠) هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد ، من موالي بني شيبان ، أصله من دمشق من قرية حرستا ، ولد بواسط بالعراق سنة ١٣١ ه ، ونشأ في الكوفة ، وصحب أبا حنيفة وأخذ عنه الفقه ثم عنه الفقه ثم عن أبي يوسف. توفي بالريّ سنة ١٨٩ ه. نعته الخطيب البغدادي بإمام أهل الرأي ، من تصانيفه : «الجامع الكبير» و «الجامع الصغير» كلاهما في الفقه الحنفي و «المخارج في الحيل» و «السير» وغيرهما.
(١١) هو شيخ الإسلام ، إمام الحفّاظ ، سيد العلماء العاملين في زمانه ، سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب ، أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد ، أمير المؤمنين في الحديث ، توفي سنة ١٦١ ه ، له ترجمة حافلة في السير ٧ / رقم الترجمة (٨٢).
(١٢) أخرجه مسلم ٢٦٧٠ ، وأبو داود ٤٦٠٨ ، وأحمد ١ / ٣٨٦ من حديث عبد الله بن مسعود.