والأخرى : أن يختص الجسم بالثقل ، ولا بدّ له ممّا يمنع ثقله من النزول فيه.
فإذا خرج عن هذين استغنى عن المكان. ويشيرون بالمكان إلى الذي يستقر عليه الجسم ويمنعه من النزول. ولو احتاج كل جسم إلى مكان والمكان بهذا التفسير جسم لزم التسلسل. ولأنّه لو احتاج إلى مكان لكان إذا ازيل من تحته يعدم لأنّ شأن المحتاج إليه ذلك ، والتالي باطل بالضرورة (١) ، فالمقدم مثله.
الثاني : قالوا : إذا كانت الذات تثبت بطريق ، فصفاتها تثبت بذلك الطريق إمّا بنفسه أو بواسطة. ولمّا كان طريق إثبات الجوهر الإدراك وجب في صفاته مثل ذلك. والذي يتناوله الإدراك من صفات الجوهر كونه متحيزا ، إلّا أنّه ينبئ عن صفة ذاتية لا تنفك عنها وجودا أو عدما ، وكونه متحيزا مشروط بالوجود ، فثبت له الوجود أيضا. ولا يظهر تحيزه إلّا بكونه كائنا في جهة ، فصار من توابعه ، ولهذا إذا كان متحيزا موجودا صحّ فيه كونه كائنا في جهة(٢) ، فإذا خرج عن الوجود والتحيز استحال ذلك فيه ولم يمكن تعلقه بأمر سواه ، فلهذا أثبتوا للجوهر أربع صفات (٣) : الجوهرية والتحيز والوجود وكونه كائنا في جهة. وباقي الحوادث له ثلاث صفات : صفة الذات ، والمقتضى عنها ، والوجود ، وقد سلف (٤). وليس
__________________
(١) في النسخ كلمة مشوشة بعد «بالضرورة» ، وهي من زيادة النساخ.
(٢) قال القاضي عبد الجبار : «إنّه لا بدّ عند وجوده (الجسم) من أن يكون متحيزا ، ولا بدّ في المتحيز من أن يكون كائنا في جهة ...» ، المحيط بالتكليف : ٦٢.
وقال أيضا : «إنّ الجسم لا بدّ من أن يكون متحيزا عند الوجود ، ولا يكون متحيزا إلّا وهو كائن ، ولا يكون كائنا إلّا بكون» ، شرح الأصول الخمسة : ١١٢.
(٣) قال أبو رشيد النيسابوري : «إنّ صفات الجوهر ما عدا الوجود ثلاثة : كونه جوهرا ومتحيزا وكائنا». التوحيد : ١٥٣.
(٤) قال الرازي بعد نقل هذه الصفات : «فهذا هو المذهب الذي استقر جمهورهم عليه ، وهو قول أبي علي ، وأبي هاشم ، والقاضي عبد الجبار ، وأبي رشيد ، وابن متويه ...» ، نقد المحصل : ٨٣.