المسألة الثانية عشرة : في أنّ الجزئيات قد تعلم على وجه كلي (١)
اعلم أنّ الجزئيات قد تعلم على وجه كلي من حيث تجب بأسبابها منسوبة إلى مبدأ نوعه في شخصه (٢) ، تتخصص به (٣) كالكسوف الجزئي ، فإنّه قد يعقل وقوعه بسبب توافي أسبابه الجزئية وإحاطة العقل بها وتعقلها كما تعقل الكليات ، فإنّك إذا علمت الحركات السماوية كلّها فلا بدّ وأن تعلم كلّ كسوف وكل اتصال وانفصال جزئي معيّن ولكن على نحو كلي ، فإنّك تقول في كسوف معيّن إنّه كسوف بعد زمان حركة تكون للقمر بشرط كذا ، وتعرف أنّه تكون بينه وبين كسوف سابق عليه أو متأخر عنه مدّة كذا ، حتى لا يبقى عارض من عوارض ذلك الكسوف إلّا وقد علمته ، لكنّك علمته كليا ، لما عرفت من أنّ الكلي وإن اعتبر فيه ألف شرط لا يخرج عن معنى الكلية ، فإنّ المفهوم من ذلك الذي يقيد بألف قيد لا يمنع تصوّره عن أن يحمل على كثيرين ، إلّا إذا عرف بحجّة خارجية أنّه لا يكون ذلك إلّا واحدا.
واعلم (٤) أنّ كلية الإدراك وجزئيته تابعان لكلية التصوّرات الواقعة فيه وجزئيتها دون التصديقات ، فإذا قلت : هذا الإنسان يقول هذا القول في هذا الوقت كان جزئيا ، وإذا قلت : الإنسان يقول قولا في وقت ما كان كليا ، ولم يتغير في الحكمين سوى حال الإنسان والقول والوقت المفردات بالجزئية والكلية. وكلّ
__________________
(١) راجع شرح الإشارات ٣ : ٣٠٧ ـ ٣١٠ ؛ النجاة ، قسم الالهيات : ٢٤٧ ـ ٢٤٩ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٤٨٣ ـ ٤٨٤.
(٢) أي منسوبة إلى مبدأ طبيعته النوعية موجودة في شخصه ، فكما تؤخذ الجزئيات من حيث إنّها طبائع كذلك تؤخذ الأسباب من حيث هي طبائع ، فالعلم بالجزئيات من حيث إنّها طبائع بحسب أسباب موجودة كذلك ، يكون كليا ولا يتغير.
(٣) أي تتخصّص تلك الجزئيات بطبيعة ذلك المبدأ. راجع شرح الطوسي على الإشارات.
(٤) راجع شرح الإشارات ٣ : ٣٠٩ ـ ٣١٠.