البحث الثاني
قال الشيخ : «وفي الوضع تضاد كالقيام والانتكاس ، فانّهما معنيان وجوديان ويتعاقبان على موضوع واحد وبينهما غاية الخلاف ، فإنّ الهيئة الحادثة من وضع كالقيام تصير الأجزاء كالرأس لها إلى جهات كالفوق مضادة لجهات أخرى كالتحت. وذلك إذا كانت الأجزاء لا تتخالف بالعدد فقط بل بالطبع. ومثال هذا : أنّ المكعب الذي له ست جهات ، لا اختلاف فيه إذا وضع وضعا حتى صار هذا السطح منه فوقا ، وهذا يمينا وهذا شمالا ، ثمّ غيّر حتى صار هذا الذي هو «فوق» هو «تحت» والذي هو «تحت» هو «فوق» ، فإنّ حال جملة الموضوع في تناسب سائر أجزائه واحدة بالعدد ، ووضعه لا يخالف الوضع الأوّل بالنوع بل هو كما كان ، لكن هذا الوضع مخالف لذلك الوضع بالعدد، وأمّا هيئة الجملة فمحفوظة ولا يتخالف الوضعان بالحدّ ، بل بالتخصص الجزئي ، وذلك لأنّ الجهات هي التي كانت بأعيانها ، والأجزاء والأطراف التي تليها هي مثل التي كانت لا تخالفها بأنواعها ، بل بأعدادها.
وأمّا لو كان بدل المكعب المتشابه الأضلاع شجرة أو إنسان ، فنصبا على ساقيهما ثمّ قلبا ونكسا ، فإنّ حدّ الأمرين مختلف ؛ فإنّ حدّ الأوّل وضع وهيئة حاصلة للشيء من حصوله (١) ساقه كذا وحصول رأسه كذا ، وحدّ الثاني مخالف
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : «حصول».