البحث الخامس
في تفصيل اللّذات الحسية (١)
قال جالينوس : الألم واللّذة إنّما يحدثان في الحواس كلّها ، وكلّما كان الحس أكثف كانت مقاومته مع الوارد عليه أكثر فكان الألم واللذة أقوى. ولمّا كان النور ـ الذي يشبه النار التي هي ألطف العناصر ـ في غاية اللطف وهو آلة الابصار فكان الألم واللذة في الابصار أضعف من غيره. ثمّ يتلوه السمع ، لأنّه أقلّ لطافة من البصر لأنّ آلته الهواء المقروع فصارت اللذة والألم من حاسة السمع أكثر من البصر. ثمّ يتلوه الشم ، فانّه أقلّ لطافة من السمع لأنّ محسوسه البخار وهو أغلظ من الهواء. ثمّ يتلوه الذوق ، فانّه أغلظ من الشم لأنّ آلته الرطوبة العذبة (٢) وهي في درجة الماء ، فكانت اللذة في الذوق أكثر من الشم. ثمّ اللمس ، لأنّه أغلظ من جميع الحواس لأنّه في قياس الأرض ، وكانت مقاومته مع الوارد أقوى وأبطأ فكانت اللذة فيه أقوى (٣).
وقد خالفه الشيخ في ذلك فانّه قال في الشفاء (٤) : «من الحواس ما لا لذّة
__________________
(١) راجع المباحث المشرقية ١ : ٥٢١ ـ ٥٢٣.
(٢) في جميع النسخ : «الغريبة» ، وما أثبتناه من المباحث.
(٣) راجع القانون ١ : ١٤٧.
(٤) الفصل الثالث من المقالة الثانية من الفن السادس من طبيعيات الشفاء.