المسألة الثامنة : في كون الصورة العقلية كلّية (١)
إنّ هنا طبائع وحقائق كلّية لا نشكّ فيها ، وبأنّ (٢) الطبيعة المائية متحققة في ماء البحر والنهر وغيرهما ، والطبيعة الإنسانية ثابتة في الأشخاص الإنسانية كزيد وعمرو ـ مثلا ـ ، ولا نشير بذلك إلى أنّ ماء البحر والنهر قد اشتركا في إطلاق اسم الماء عليهما حتى يكون الاشتراك لفظيا لا غير ، ولا أنّ زيدا وعمرا اشتركا في صدق لفظ الإنسان عليهما من غير أن يكون بينهما شركة معنوية ، فإنّا لو فرضنا الواضع لم يضع لفظي الماء والإنسان لوجدنا الشركة بينهما ثابتة عقلية.
فإذن قول (٣) الماء والإنسان وغيرهما من الطبائع على الأشخاص المندرجة تحتها إنّما هو على سبيل الاشتراك المعنوي ، وذلك المشترك لا يمكن أن يدخل في مفهومه قدر معيّن وهيئة معينة وشكل معيّن ما لم يدخل في مفهومه بعض أفراده. ولا بشخص معيّن ، وإلّا لم يكن مشتركا بين الأشخاص ذوات الأعراض المختلفة.
وإذا تقرر هذا فنقول : إنّ القوة العقلية إذا استحضرت ذلك المشترك بحيث يكون مجردا عن جميع اللواحق الغربية والعوارض الخارجية ، فتلك الصورة تكون كلّية ، وهي وإن كانت في نفسها شيئا واحدا إلّا أنّه لا تختلف نسبتها إلى أيّ واحد واحد من الناس ، بمعنى أنّ أيّ واحد من الناس حضرت صورته عند الخيال ثمّ انتزع العقل منها المعنى الذي جرد عن العوارض الغربية والغواشي اللاحقة به والمشخصات المخصصة له حصل في العقل تلك الصورة بعينها. وإذا سبق واحد فتأثرت النفس منه بذلك الأثر ، لم يكن لغيره تأثير جديد ، إلّا بحكم هذا الجواز.
__________________
(١) قارن : المباحث المشرقية ١ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥.
(٢) كذا.
(٣) أي حملها على الأشخاص المندرجة تحتها.