الثاني : بالتركيب وذلك أنّها إذا اعتبرت المعنى الجنسي والفصلي أمكنها أن يفرق (١) الفصل بالجنس بحيث تحصل منهما حقيقة النوع المتحدة اتحادا طبيعيا لا صناعيا. وكذا بضم العوارض والمشخصات المتغايرة إلى الطبيعة النوعية حتى تتحصل الأشخاص.
وأمّا الثاني : وهو قوتها على تكثير الواحد أن تميز ذاتيّ الماهية المركّبة عن عرضيتها وجنسها عن فصلها. وتميّز ذاتيات الذاتيات بعضها عن البعض كأجناس الأجناس وفصول الفصول وأجناس الفصول وفصول الأجناس بالغة ما بلغت. وتميّز اللازم عن المفارق والقريب عن البعيد والبسيط عن المركب وسريع المفارقة عن بطئه وسهلها عن عسرها والغريب عن الملائم. والشخص الواحد يكون في الحسّ واحدا ، وفي العقل أمورا كثيرة ، بسبب ما فصلها العقل وميّزها وقسّمها بالذاتيات والعرضيات ، إلى آخر التقسيمات الممكنة بحسب المركبات الخارجية والذهنية ، فلهذا يكون إدراك العقل أتمّ الإدراكات كأنّه يدخل في الماهية ويتغلغل في الحقيقة ويستنتج منها نتيجة مطابقة لها من جميع الوجوه.
فأمّا الإدراكات الحسية فإنّها لا تنفك عن جهل ما ؛ لأنّ الحس لا يدرك إلّا ظاهر الشيء وبعض عوارضه المحسوسة دون ماهيته ، وحقيقة باطنه فإنّه لا ينالها البتة ، ولا خبر له بها.
المسألة السادسة : في حصر الأوّليات (٢)
قد عرفت أنّ أوّل الأوائل قولنا : النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان. وهذه القضية لا يمكن قيام البرهان عليها ، لأنّ الدليل على الشيء هو الذي
__________________
(١) كذا في المخطوطة ، وفي عبارات الرازي : «يقترن» ولعلّه الصحيح.
(٢) راجع المباحث المشرقية ١ : ٤٦٨.