البحث الخامس
في إبطال الطفرة
ذهب النظام (١) إلى أنّ الجسم إذا تحرك مسافة ، فإنّه تحصل الأحياز المتوسطة بأن يقطع البعض ويطفر البعض ، فيحصل في المكان الثاني مثلا بقطع المتحرك له ، ثمّ يحصل في الرابع من غير أن يحصل في الثالث ، ولا يحاذيه ، وهكذا إلى آخر المسافة.
والضرورة قاضية ببطلان ذلك ؛ فإنّا نعلم علما ضروريا أنّ المتحرك من أوّل المسافة إلى آخرها إنّما يقطع المسافة بالمرور على الحدود المفروضة بين المبدأ
__________________
(١) نشأ القول بالطفرة عند النظام عند ما حاول أن يفسر كيفية تحرك الجسم الذي يتكون من أجزاء لا تتناهى على مسافة لا تتناهى ، فإذا تحرك هذا الجسم في زمان متناه فكيف يتحرك؟ وهنا واجهت النظام صعوبة ، وهي كيف يقطع الجسم مكانا لا نهاية له؟ فكأن نفيه للقول بالجزء الذي لا يتجزأ وقوله باللاتناهي في التجزئة أدى به إلى القول بالطفرة.
ويذكر البغدادي أنّ النظام خالف أصحابه ـ المعتزلة ـ في القول بالطفرة ، ولذا استحق عليه الكفر ، كما اعتبر هذا من الفضائح التي تحسب عليه قائلا : «من فضائحه قوله بالطفرة وهي دعواه أنّ الجسم قد يكون في مكان ثمّ يصير منه إلى المكان الثالث والعاشر منه من غير مرور بالأمكنة المتوسطة بينه وبين العاشر ، ومن غير أن يصير معدوما في الأوّل معادا في العاشر». الفرق بين الفرق : ٨٥ ؛ أصول الدين ١ : ٣٣٥. راجع أيضا مقالات الإسلاميين : ٣٢١ ؛ د. منى أبو زيد ، التصور الذري في الفكر الفلسفي الإسلامي : ١٢٠ ـ ١٢٥.