كما تتحلل من ظاهره ، وإنّما يتم التحليل بتفرق الاتصال.
لا يقال : ذلك التفرق في أجزاء صغيرة جدا ، فلصغر ذلك التفرق لا يحصل الألم. أو أنّ تلك الآلام لما دامت بطل الشعور بها.
ولأنّ الحس دلّ على أنّ التفرّق مؤلم ، فيكون ما ذكرتم من الوجوه في إبطاله استدلالا على إبطال ما علمت صحّته بالضرورة ، فيكون باطلا.
لأنّا نجيب عن الأوّل : بأنّ كلّ واحد من تلك التفرقات وإن كان صغيرا جدا لكن تلك التفرقات كثيرة جدا ؛ لأنّ التغذي والنمو لا يختص بجزء من البدن دون جزء بل هما حاصلان في جملة الأجزاء ، وهما لا يتمّان إلّا بهذا النوع من التفرق ، فإذن كان هذا التفرق حاصلا في جملة الأعضاء ، فلو كان التفرق مؤلما من حيث هو تفرق لكانت الآلام حاصلة في جملة الأجزاء وفي جميع البدن ، ولمّا بطل التالي بطل المقدم.
وعن الثاني : لا نعني بالألم إلّا ما يجده الحي من نفسه وليس حاصلا بسبب التغذي والنمو ، وليس كلامنا إلّا في ذلك ، فإن أثبتّم أمرا آخر ، كان وقوع اسم الألم عليه وعلى ما نحن فيه بالاشتراك.
وعن الثالث : أن تفرق الاتصال يستعقب سوء المزاج مع أنّ التفرق عدمي.
الرابع (١) : الكيفيات الحادثة في العناصر إنّما تحدث عن مبدأ عام الفيض ، وإنّما تختلف الأعراض والصور في أجسام هذا العالم لاختلافها في الاستعداد ، على ذلك اتّفقت الفلاسفة وإن كنّا لا نقول بها ، فنقول : المركب من العناصر إنّما اختص بكيفية مخصوصة ؛ لأنّ المزاج أفاده استعدادا لقبول الكيفية عن واهب الصور دون سائر الكيفيات ، فما دام ذلك المزاج باقيا استحال زوال تلك الكيفية ،
__________________
(١) احتج الرازي بهذا الوجه في كتابه الملخص ، كما في شرح المواقف ٦ : ١٤٢.