فإذن كل ماهية مجردة فإنّه يصحّ عليها أن تعقل سائر الماهيات المجردة ، وكل ما صح في حق المفارقات وجب. فإذن كلّ ماهيّة فإنّها تعقل جميع الماهيات.
وأمّا الكبرى ، فلأنّ كل من عقل شيئا أمكن أن يعقل كونه عاقلا لذلك المعقول ، وذلك يتضمن كونه عاقلا لذاته ، فإذن كلّ مجرد يجب أن يكون عاقلا لذاته ولجميع ما عداه من المجردات.
اعترضه أفضل المتأخرين بوجوه : (١)
الأوّل : لا نسلم «أن كلّ مجرد يصحّ أن يكون معقولا» فإنّه ليس ببديهي ، فلا بدّ فيه من البرهان ، خصوصا وعندكم واجب الوجود تعالى مجرد وكذا العقول وكلها غير معقولة ، بل القوى البسيطة غير معقولة للبشر ، فبطل الحصر الموجب الكلي (٢).
وأجاب أفضل المحققين : بأنّ ذات الله تعالى وذوات العقول غير معقولة لنا ، لكنها في أنفسها يمكن أن تكون معقولة (٣).
وهذا الجواب غير كاف لبقاء السؤال بحاله ، فإنّ الجواب عن نقض واحد لا يستلزم الاستيعاب.
وأجاب بعضهم : بأنّ واجب الوجود معلوم لأنّ حقيقته تعالى نفس وجوده المجرد عن المادة ، والوجود واحد على ما تقدم ، وهو معلوم ، والقيد السلبي معلوم أيضا ، فكانت حقيقته معلومة.
__________________
(١) نقل المصنّف العلامة هذه الوجوه مع توضيحات وتصرّفات يسيرة ، ولذلك ترى بعض العبارات ليست في شرح الاشارات.
(٢) شرح الاشارات ٢ : ٣٨٧.
(٣) نفس المصدر : ٣٨٨.