الفاعل غنيّا عن الآلات كان نفس إدراكه سببا لحصول المدرك في الخارج (١) ، فهذا هو العلم الفعلي.
وأمّا العلم الانفعالي فهو الذي يكون وجود المعلوم متقدما على العلم ويكون العلم تابعا له وحكاية عنه ، كمن نظر إلى صورة السماء والأرض وغيرهما من الموجودات ، فتصور منها في ذهنه صورا وارتسم منها في خياله هيئة مستفادة من الأمور الخارجية ، فإنّ هذه الصور الذهنية معلولة للصورة الخارجية وحاصلة منها. وقد كانت الصورة الأولى في العلم الفعلي علّة محصّلة لما في الخارج. والعلم الفعلي أشرف وأفضل من الانفعالي ؛ فانّ الضرورة قاضية بأنّ المنشئ لمسألة والمخترع لها ، أو للقصيدة التي لم يسبقه إليها غيره أشرف وأكمل من علم من تعلّمها منه.
وقد سألت شيخنا أفضل المحققين عن علّة الحصر ، فمنع منه (٢) وأبدأ قسما ثالثا لا فعليا ولا انفعاليا ، وهو علم واجب الوجود تعالى بذاته فانّه خارج عن القسمين.
وفيه نظر ، فانّ علم واجب الوجود بذاته نفس ذاته بالذات ومغاير له بالاعتبار ، ومن حيث المغايرة يكون صادرا عنه ومتأخرا بالذات وكأنّه حكاية عنه ومثال له ومستفاد منه ، فانّ الذات الحقيقية هي الأصل وهذا العلم تابع ، فكان انفعاليا بهذا الاعتبار عن ذاته لا عن غيره.
__________________
(١) هذا القسم الأخير (ما لا يحتاج إلى الآلات) وحده هو العلم الفعلي عند الحكماء ؛ قال الحكيم السبزواري:
وبتوهّم لسقطة ، على |
|
جذع ، عناية ، سقوط فعلا |
وقال في شرحه : فانّ هذا العلم التوهمي بمجرّده ، ومحض تخيّل السقوط بلا رويّة وتصديق بغاية ، منشأ للفعل الذي هو السقوط. شرح المنظومة لناظمها : ١١٧.
(٢) العلم لا ينحصر بالفعلي والانفعالي ، بل منه ما ليس بفعلي ولا انفعالي. راجع شرح المواقف ٦ : ٤٤ ؛ نهاية الحكمة : ٢٦٤.