قلّة لا يمثلون قوّة عددية كبيرة ، فأخبر المسلمين بما رأى ، فاستبشروا بذلك وقوي عزمهم على الدخول في المعركة. (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) لأن ذلك يؤدي بهم إلى الخوف الذي يبعث على الهزيمة النفسية ، وينتهي بهم إلى الفشل في مسيرتهم هذه ، من خلال الضعف الداخلي المسيطر عليهم ، ويخلق فيما بينهم حالة من التنازع بين فريق يدعو إلى الاستمرار في المعركة ، وبين فريق يدعو إلى التراجع والانسحاب بفعل العجز عن المواجهة ، مما يجعل من الاندفاع معها حالة انتحارية لا يقدم عليها العقلاء (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) لتندفعوا في المعركة من موقع الاستهانة بهم ، لتنطلقوا بروح قوية ثابتة (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) ليتحركوا نحوكم بروح الاستهانة والتهوّر التي تمنعهم من الاستعداد الذاتي والحذر الشديد ، ليساهم ذلك في إتمام عملية النصر ، (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) في ما يقضيه من انتصار المسلمين على المشركين ، على أساس تهيئة الجو النفسي الذي يدفع بالمعركة في الاتجاه المفاجئ لمصلحة المسلمين. (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لأن بداياتها منه ونهاياتها إليه.
* * *
معركة بدر وإيحاءات الحرب النفسية
وربما نستوحي من ذلك أن من الممكن لقيادة المعركة أن تقوم بعملية إيحائية للمقاتلين ، من أجل تثبيت أقدامهم ، وتطمين أنفسهم ، وذلك بإعطاء صورة عن موازين القوى في المعركة ، بطريقة مختلفة عن الواقع ، في عدد الأعداء وفي طبيعة استعدادهم ، وفي الأوضاع السياسية المحيطة بهم ، وفي كل القضايا المتصلة بتحضير الأجواء التي تدفع بالمعركة إلى خط النصر ،