الطبيعية ، فيعتبرها قذرا وخباثة وحراما ... من موقع الفكرة التي ترفض ماديات الحياة جملة وتفصيلا ، وتدعو إلى السموّ نحو روحياتها ... ولا ينجذب إلى هذه الحاجات فيعتبرها قيمة وطموحا وهدفا ، بل يقف بين هذا وذاك ، فيراها حاجة طبيعية يحفظ بها جسده ، ويصون بها حياته ، فيمارسها في نطاق الحدود التي فرضها الله ورسمها لعباده ، فيميز بين ما يفسد الحياة من حوله فيتركه ، وبين ما يصلحها أو لا يسيء إليها فيفعله ، وذلك هو خط هذه الآيات.
* * *
الله جميل يحب الجمال
(* يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) إنّ الله جميل يحبّ الجمال والتجمّل ، ويبغض البؤس والتباؤس ، وإن الله إذا أنعم على عبد بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته عنده. هكذا جاء في الكلمات المأثورة عن بعض أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وروي عن «خيثمة بن أبي خيثمة قال : كان الحسن بن علي عليهالسلام إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه ، فقيل له : يا بن رسول الله لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال : إن الله تعالى جميل يحبّ الجمال فأتجمّل لربي ، وهو يقول : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، فأحب أن ألبس أجود ثيابي» (١). استيحاء من هذه الآية التي توجه الناس إلى أن يأخذوا زينتهم من اللباس والطيب ووسائل التجمّل ... في كل مسجد ، وهو المكان الذي يجتمع فيه الناس للصلاة ، حيث يمثل الاجتماع فيه مظهرا من مظاهر حياة المسلمين الاجتماعية ؛ لذا أراد الله لهم أن يخرجوا إليه بزينتهم ، وبشكل جميل طيب يعكس المظهر الحضاري للإنسان المسلم مقابل مظاهر التخلف التي كانت
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج : ٢ ، ص : ١٠.