حركة الرحمة الإلهية في الكون
وتأتي الآية التالية لتثير أمامنا صورة الرحمة الإلهية كيف تتحرك في آفاق الكون لتتحول إلى طاقة تعطي الخصب والرخاء والحياة للأرض الميتة والبلد الميت ... (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً) ، مبشّرات بالخير والحياة (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) التي تغدق البركات من خلال رحمته في ما تثيره في الكون من حركة الرياح التي تتنوّع في سرعتها ، وفي طبيعتها ، وفي حملها ... فهي تتحرك لأداء المهمة التي أوكلها الله إليها ، وفي الخطّ الذي أرادها أن تسير فيه من خلال القوانين الطبيعيّة التي أودعها في الكون بحكمته وإرادته وقوّته ، (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً) وحملته على ظهرها ، وانتظرت الأمر الإلهي التكويني ... (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) لا ماء فيه ولا كلأ ولا حياة ... (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) الذي جعلنا منه كل شيء حيّ ، (فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) في ما تتنوّع أشكالها وألوانها وخصائصها ... وهنا تأتي اللفتة القرآنية الموحية التي تنقل الفكر من هذه الصورة الحيّة المحسوسة التي يتحول فيها الموت إلى حياة ، إلى عقيدة الإيمان بالبعث بوصفه حياة بعد الموت في الدار الآخرة ، من خلال المقارنة بين الصورة المحسوسة هنا وبين الصورة الإيمانية هناك ، (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وتخرجون من هذه الغفلة المطبقة التي تبعد عنكم كل وعي ومعرفة وإيمان.
(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) طيّبا لذيذا كثيرا ، لأنه يتحرك من موقع الطبيعة الطيّبة الصافية التي تعيش القوّة ، فيخرج نباتها قويا قوة الأرض التي أنتجته. (وَالَّذِي خَبُثَ) في أرضه نتيجة ما تحتويه من عناصر تعيق إنتاجيّتها وتعطّل عملية النموّ والامتداد (لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) أي بصعوبة وجهد ، وذلك كناية عن القلة ، لأن مثل هذه الطبيعة الخبيثة لا يمكن أن تنتج