المأثورة : «لتأمرنّ بالمعروف ، ولتنهنّ عن المنكر ، أو ليسلّطنّ الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم ، فلا يستجاب لهم» (١) .. وهذا ما أرادت هذه الفقرة من الآية أن تشير إليه ، فتحذّر المؤمنين من الفتنة التي إذا انطلقت ، فإنها لا تصيب الذين أثاروها وأوقدوا نارها من هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وظلموا الناس ، بل تتعداهم إلى غيرهم ، كنتيجة طبيعية لترابط القضايا والمشاكل الاجتماعية ، ووحدة مصير أفراد المجتمع.
* * *
دعوة المسلمين لتذكر نعم الله عليهم
وإذا كان التحذير متوجّها إلى المجتمع ككلّ في مواجهة الفتنة التي يثيرها الظالمون ، فإنه يتوجّه إلى هؤلاء الذين يثيرونها بشكل أكيد ، لأنّ المسؤولية الكبرى هي مسئوليتهم بالذات في ما يتحملونه من النتائج السلبية في الدنيا والآخرة. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ، فاحذروا أيها المؤمنون عقاب الله. (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) في مكّة أمام قوّة قريش وجبروتها ، (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) في ما يمثّل ضعفكم في العدّة والعدد ، بحيث كنتم عرضة للاختطاف في ما يمثله ذلك من ذلّ ومهانة واستضعاف.
ولكنّ هذا الواقع قد تبدل إلى واقع جديد بعد الهجرة ، فقد أعطاكم الله القوّة من خلال دينه ، وهيّأ لكم الأرض الطيّبة التي استقبلتكم بكل محبّة وإيمان ؛ (فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) في ما قدّمه لكم من وسائل النصر ، وأثاره فيكم من روح القوة ... (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من خلال ما وسّعه عليكم من
__________________
(١) البحار ، م : ٣٢ ، ج : ٩٠ ، ص : ٤٦٥ ، باب : ٢٤ ، رواية : ٢١.