تحذير للمسلمين من التساهل في أمر المنازعات الداخليّة
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (١). إنها الدّعوة لأن يواجه المؤمنون المشاكل الفردية والاجتماعية الناشئة من بعض الانحرافات الفكرية والعملية التي تؤدّي إلى نتائج سلبية في حركة الحياة ، وذلك بالتعامل معها من موقع المسؤولية العامة الواعية للقاعدة الاجتماعية التي تحكم مسيرة المجتمع في سلبيّاته وإيجابيّاته ، فلا تقتصر في تأثيراته على الناس الذين يقومون بها ، بل تمتد إلى كل أفراد المجتمع ، لأن علاقات الناس ومصالحهم متشابكة. ولهذا فإننا نجد الخلافات التي تحدث في دائرة ضيقة من دوائر المجتمع ، لا تقتصر على تلك الدائرة ، بل تتعداها إلى بقية الدوائر التي تتصل بها ، أو تتأثر بها شعوريا أو فكريا ، مما قد يدخل في نطاق العدوى ، أو التفاعل اللاشعوري بحكم الترابط الوثيق بين أفراده. ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هو الطابع الحركي للمجتمع الإسلامي ، في ما يدفع إليه من تحمّل مسئولية الآخرين في ما ينحرفون به ، حتى في المجالات البعيدة عن واقع الآمرين والناهين ، لأن القضية لا تخص الفاعلين المنحرفين ، بل تمتد إلى بقية قطاعات المجتمع بطريقة وبأخرى ، فلا يمكن لأفراده أن يواجهوه مواجهة اللامبالاة تحت شعار تقييد حرية الآخرين الفردية ، لأن هناك نوعا من أنواع حرية الأفراد قد يلغي حرية المجتمع كله. وهذا ما عبّرت عنه
__________________
(١) قرأ عليّ والباقر عليهماالسلام وكذا زيد بن ثابت والربيع بن أنس وأبو العالية ـ على ما في المجمع ـ : لتصيبنّ باللام ونون التوكيد الثقيلة ، والقراءة المشهورة : لا تصيبن بلا النافية ونون التوكيد الثقيلة. [انظر : مجمع البيان : ج : ٤ ، ص : ٨١٨]. وعلى كل تقدير ، فمآل المعنى واحد كما سنرى في سياق تفسيرنا لهذه الآية المباركة ، لجهة ما تحمله من تحذير للمسلمين من الاستهانة أو الاستخفاف بموضوع الخلافات الداخلية التي تهدد وحدتهم.