الجسد في حاجاته. وهذا ما أراد القرآن الكريم الإيحاء به عند ما اعتبر العلم والإيمان والجهاد والشهادة مظهرا من مظاهر الحياة ، ولذلك كانت الاستجابة إلى الله وإلى الرسول استجابة للجانب الحي من حركة الرسالة في الحياة. وهذا ما ينبغي لنا أن نستوحيه في ما نلتقي به من أحكام الشريعة وأسرارها وقضاياها ، لنكتشف ـ في ذلك كله ـ كيف تستوعب الشريعة الحياة ، وكيف تخضع الحياة لدعوة الشريعة في ما تريد أن تحقّقه من أهداف ، أو تواجهه من مشاكل وحلول.
* * *
(اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ). ربما كان ذلك كناية عن الهيمنة الإلهية على الإنسان ، فله السلطة عليه بما لا يملكه من نفسه ، فهو قادر على أن يغيّر له فكره في أي جانب من الجوانب ، ويحول بينه وبينه. وهذا من أوضح مظاهر السلطة والقدرة ، لأن أعلى مظاهر القدرة هي السيطرة على الداخل الذي يختصّ أمره بالإنسان نفسه ، لأنّ الناس ـ عادة ـ لا يملكون الضّغط إلّا على الجانب الخارجي من الإنسان ، وهو الجسد ، أمّا الفكر ، فلا يملك الناس الضغط عليه إلا من خلال الوسائل العادية التي لا تخرج الإنسان عن اختياره. فإذا كان الله يملك عليه ذلك ، فمعناه أنه أقرب إليه من ذاته وأنه يعرف منه ما لا يعرفه ـ هو ـ من نفسه ، فلا بدّ له من أن يراقبه ويخافه ويراعيه في كل أموره ... (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) في يوم القيامة ، فيحاسبكم بما اطّلع عليه من أعمالكم ، مما لا تملكون الحجّة فيه على التخلّص ، لأنه المطّلع على الجانب الخفيّ منها ، وهو جانب النية التي تطبع العمل بطابعها من خير أو شرّ.
* * *