لا ظفر إلا بالله وحده
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ... وهذا هو خط الإيمان الذي يريد الله من المؤمن أن يعيشه في فكره وشعوره ، في كل حالات النصر والنجاح ، في حركة الحياة وفي ساحة الصراع ، وذلك بأن لا يعتقد في نفسه القوّة الذاتية المستقلّة عن الله ، في ما يمدّه به من عناصر القوة ، بل يعتقد بأنه يتصرف عن أمره ، ويتقلّب في تدبيره ، ويتحرك بقوّته ، فإذا قتل العدو فإنما يقتله بنصر الله وقوته التي أمده بها ، فكأن الله هو الذي قتله ؛ وإذا رماه بسهم ، فكأن الله رماه ، فهو ـ سبحانه ـ الفاعل الحقيقي للأشياء والقوة الحقيقية التي تتحرك بها ، لا بمعنى إلغاء الاختيار والإرادة الإنسانية في الفعل ، بل بمعنى إلغاء الذاتية المستقلة للإنسان في أعماله ، في ما تنطلق به من عوامل القوة.
وقد كانت المعركة في بدر مظهرا من مظاهر الإمداد الإلهي الغيبي في ما أثاره الله في أجواء المعركة ، وفي مشاعر المسلمين ، وفي امتلاء قلوب الكافرين بالرعب ، مما جعل من موقف المسلمين فيها موقف قوة ، بعد أن كان موقف ضعف في ما كانوا يعانونه من أحوال نفسية أمام قلة العدد والعدة ، مما يجعل من اختيارهم ظلّا لإرادة الله واختياره بشكل واضح ، وهذا ما أراده القرآن في أسلوب التربية القرآنية من ربط الأشياء الصغيرة والكبيرة والسلبية والإيجابية ـ في واقع الكون وفي حركة الحياة والإنسان ـ بالله ، لتتأكد ـ من خلال ذلك ـ عقيدة التوحيد الخالص التي لا تتصور شيئا إلا وتتصور الله معه ، لتحس بأن الكون كله هو الظل ، وأنّ الله هو النور ، وهو الحقيقة ، وهو الذي يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء ، وهو على كل شيء قدير ...