الفرار من الزحف ... من الكبائر
وتستمر الآيات في أجواء المعارك التي يخوضها المسلمون دفاعا عن الحقّ وهجوما على الباطل ، فتثير أمامهم قضية الفرار من الزحف ، فتعتبره من الكبائر التي يستحقّ عليها دخول النار. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) ، ولا تنهزموا أمامهم وتستدبروهم ، (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) أي ظهره في حالة لقاء العدوّ ، (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) وذلك إذا أراد الانتقال من جهة إلى أخرى في عملية تراجعية تمويهية ، يحاول من خلالها الالتفات على العدوّ والهجوم عليه من جديد على أساس خطة عسكرية مدروسة (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) فينحاز إلى جماعته وجبهته ، ليقاتل من موقع قويّ ، لا من حالة فردية ... (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ). أي رجع بسخط الله ، (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، لأنّ هذه المعصية ليست كبقيّة المعاصي الفردية المحدودة التي تتصل بالحياة الخاصة للعاصي ، بل تمتد لتهزم المسيرة الإسلامية كلها ، عند ما يقع المسلمون في قبضة الهزيمة التي يختارونها في مواقف الضعف الداخلي الذي ينطلق من حبّ الحياة وكراهة الموت.
وقد جاء في حديث الفضل بن شاذان ، أن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام كتب من جواب مسائله : «وحرّم الله الفرار من الزحف ، لما فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة عليهمالسلام ، وترك نصرتهم على الأعداء ، والعقوبة لهم على إنكار ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبية وإظهار العدل وترك الجور وإماتة الفساد ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين ، وما يكون في ذلك من السبي والقتل وإبطال دين الله ـ عزوجل ـ ، وغيره من الفساد» (١).
* * *
__________________
(١) البحار ، م : ٣ ، ج : ٦ ، ص : ٦٧ ، باب : ٢٣ ، رواية : ٢.