وآفاق الحقّ ، ولتأخذوا منه المنهج السليم لحركة الإنسان في الحياة ، ولتنفتحوا فيه على كل خير وبركة ، ولتلتزموا بأحكامه في حلاله وحرامه ، ولتحملوا مفاهيمه العامة كقاعدة منفتحة على الجانب المشرق من حقائق الحياة ، ولتتحرك خطواتكم في الطرق المستقيمة التي يشير إليها فكره النيّر ومنهجه السليم ... (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لأن في ذلك كله الرحمة كل الرحمة ، التي لا تتمثل في القرآن كعاطفة وانفعال ، بل تتحول إلى منهج للفكر وللحياة. وهذا هو التوجيه الإلهي الذي يريد للمؤمنين أن يجعلوا من القرآن كتابهم الذي يقرءونه قراءة وعي ، ويستمعون له استماع تأمّل ، وينصتون له إنصات خشوع وتفكير ، ليتحرك في كل آفاق حياتهم ، فيكون فكره هو الفكر الذي يحملونه لتتميز به شخصيتهم الفكرية عن كل فكر آخر ، وتكون شريعته هي شريعتهم ، ليرفضوا به أية شريعة أخرى من صنع الإنسان ، وتكون وسائله وأهدافه هي وسائلهم وأهدافهم في خطواتهم العملية في الحياة ... ولا يريد لهم أن يكون كتابا للبركة أو للحفظ أو للتفاؤل والاستخارة أو غير ذلك من الأمور التي تبتعد به عن جوّه الرسالي الذي أراده الله هدى للناس.
* * *
ذكر الله تضرّعا وخيفة
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) في إحساس خاشع بعظمته وبقدرته ، وفي إيحاء روحيّ بالتضرع إليه في ما يرجوه الإنسان وما يخافه ، وبالتذلّل له في شعور عميق بالخوف منه ومن عقابه ، لتعيش النفس مع الله في كل نبضاتها وخفقاتها وأفكارها ومشاعرها ، حتى يكون الله هو كل شيء فيها. فإذا تحوّل ذلك إلى ذكر ، فإنه يكون ذكرا خافتا من خشية الله. (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) في ما يشبه الهمس الذي يعبّر عن النبضة والخفقة والإحساس