من الناس من يهدي بالحق والعدل
ولكنّ هؤلاء لا يمثّلون ظاهرة ممتدة شاملة في حركة الحياة والإنسان ، فهناك الذين يعيشون في حياتهم الحق كفكر ، والعدل كخطّ للسير وللعلاقات (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) في عملية انتماء ودعوة ، (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) في حركة ممارسة ومعاملة ، لأنهم ينطلقون من قاعدة الإيمان العميق ، والوعي المنفتح ، والإرادة القوية ، والعقلية الجادّة ... (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وأنكروها في الفكر والممارسة ، (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ، وذلك بما يهيّئ الله لهم من نعيم الحياة ولذتها ، مما يلهيهم عن التفكير ، ويشغلهم عن المسؤولية والجدّية في مواجهتها ، فيخيّل إليهم أنهم يمسكون بزمام الحياة ، ويملكون الأمر كله ، وتتضخم لديهم حالة الشعور بالأهمية في الأدوار التي يمثلونها ، وفي الطاقات التي يملكونها ، وفي الأجواء المحيطة بهم ، في ما يؤيد المؤيّدون ، ويهتف الهاتفون ، وبذلك يتدرّجون من موقع ضلال إلى موقع ضلال آخر ، في ما يتقلبون به من نعمة إلى نعمة ، في هذا الانحراف الكبير في وعيهم لمعنى النعمة في حساب المسؤولية.
* * *
الله يكيد بالكافرين
(وَأُمْلِي لَهُمْ) أي أمهلهم وأمد لهم الحياة كما يحبون ويشتهون ، فلا يعكّر صفوهم كدر ، ولا يثير نفوسهم قلق ، بل هو الاسترخاء لهذا الامتداد اللّاهي للحياة. (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ). والكيد هنا يمثّل معنى الخطة الإلهية الجارية على السنن الطبيعية للأشياء ، في ما يمهّد للإنسان ساحة الاختيار بعيدا