كيانه من دون كلام ، لأن الفطرة تحس بالحاجة إلى الله في كل شيء ، فالإنسان لا يملك أيّة إمكانية للوجود ، أو إمكانية لاستمراره بعيدا عن الله ، ممّا يجعل من وجوده وجودا مرتبطا بالله في كل شيء. ففي كل نبضة من نبضاته هاتف يهتف بالوحدانية. (قالُوا بَلى شَهِدْنا) بأنك أنت الله ربّنا لا إله إلا أنت ، منك الحياة ، وبإرادتك تستمر بنا.
(أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) أي لئلّا تقولوا في حالة اختياركم للخط المنحرف في الإيمان والعمل ، أو تحتجّوا بالغفلة الفكرية والروحية عن مسألة الوحدانية ، لأنكم لا تملكون الأساس الذي يبعث فيكم اليقظة الوجدانية التي توحي بالحقيقة ، فإنّ الفطرة الإنسانية تعتبر أساسا لحركة الوعي الإيمانيّ في كيان الإنسان. (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) أو تحتجوا بأن قضية الإشراك لم تكن حالة ذاتية اختيارية ، بل كانت خاضعة للوضاع الطبيعي العفويّ الذي يخضع فيه الأبناء للسير على خط الآباء ، في ما يعتقدون ويعملون ، في عملية محاكاة وتقليد لا يملك الإنسان معها أية إرادة مضادّة فاعلة ، وبذلك يكون الآباء هم المسؤولون عن عملية الكفر والضلال ، فلا مسئولية لنا في ذلك. (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) ، فتأثّرنا بهم بما تتأثر به كلّ ذريّة بالجيل السابق.
(أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) الذين اختاروا الباطل بملء وعيهم وإرادتهم ، بينما كنا خاضعين في عملية الانتماء لأجواء عاطفية ضاغطة ، لا نملك إلا السقوط أمامها في التجربة الصعبة ، وكيف تهلك الذين انتموا للباطل بوحي العاطفة بسبب أفعال الذين عاشوا فيه بالإرادة والاختيار؟ (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) للناس ليفهموا كيف يواجهون المسؤولية من موقع الوعي المنفتح على حركة الإيمان في الحياة ، (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى الله ، فيستقيموا في طريق الحق عند ما يستبين لهم الجانب المشرق من الأفق الواسع.
* * *