هل ثمة عالم آخر اسمه عالم الذر؟
هذا بعض ما نستوحيه من هذه الآيات ، ولكن بعض المفسرين فهموا منها معنى آخر ؛ فقد قالوا إن هناك عالما آخر تشير إليه ، وهو «عالم الذر» الذي تحدثت عنه بعض الروايات ، واعتبرت الآية الأولى دليلا عليه. فقد جاء في هذه الروايات أن الله عند ما خلق آدم ، أخرج من ظهره ذريته كمثل الذر حتى ملأوا الفضاء من حوله ، فأخذ الله عليهم العهد بالإيمان به ، والسير على هديه ، وأشهدهم على أنفسهم بأنه الله الذي لا إله إلا هو ، فشهدوا بذلك وأعطوه العهد على أنفسهم به ، ليكون ذلك حجة من الله عليهم عند ما ينحرفون عن خط الإيمان والطاعة ، فلا يستطيعون بعد ذلك الاحتجاج بالغفلة عن الحق ، وبسيطرة عقيدة الآباء عليهم.
وهكذا اعتبرت الآية دليلا على هذا الموضوع ، ولكنّ كثيرا من العلماء أنكروا ذلك ، لقصور الأدلّة التي أقامها المثبتون عليه ، ولأن الحجة لا تقوم على الإنسان بما كان قد اعترف به في عالم الذر ، لغفلته عن أصل الموضوع وعدم تذكّره له من قريب أو بعيد ، مهما حاولت الآيات والأحاديث تذكيرهم به ، فلا يبقى هناك فرق بين الغفلة الأصلية التي لم يسبق للإنسان فيها المعرفة ، أو الغفلة الطارئة التي جاءت بعد المعرفة في عالم آخر لا ربط له بهذا العالم أصلا. ثم إن الآية لا تنهض دليلا على ذلك ، فإن المذكور فيها أنه أخرج من ظهور بني آدم وذرياتهم ، بينما تقول الروايات أنه أخرج من ظهر آدم ذريته. وقد جرت مناقشات كثيرة في هذا الموضوع ، من حيث الدفاع عن فكرة «عالم الذرّ» وعن انطباق الآية عليه ... وقد ذكرها صاحب تفسير الميزان (١) ، فليرجع إليه من أراد ، فإننا لا نجد كبير فائدة في الإفاضة في هذا الموضوع.
* * *
__________________
(١) يراجع : تفسير الميزان ، ج : ٨ ، من ص : ٣١١.