فيه من طرق الضلال ، أو ينحرفون به من سبيل ... وفي هذه الآيات بعض الحديث عن ذلك.
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) فقد أودع في أصلاب الرجال النطف التي يخلق منها الذرية بالوسائل الطبيعية ، على أساس ما جعله من قوانين الخلق والإيجاد (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)؟ ولكن هل كان هذا الإشهاد جماعيا دفعة واحدة ، أو كان تدريجيا على أساس السنّة الطبيعية للخلق في إخراج الأبناء من أصلاب الآباء؟! ليس هناك في الآية ما يؤكد الاحتمال الأول ، لأنّ مجرّد الحديث عن الموضوع بطريقة الجمع لا يدلّ على ذلك ، لأن الطريقة القرآنية جرت على الحديث عن القضايا الإنسانية التي تخضع لعنوان واحد أو موقف مشترك بأسلوب يوحي باعتبارها ظاهرة واحدة ، في الوقت الذي لا تكون مثل هذه القضايا مجموعة في زمان واحد ، لأنّ الهدف هو الحديث عن الفكرة المشتركة التي تجمع الكلّ ، بعيدا عن طبيعة الخصوصيات الفرديّة المتمثّلة فيها على صعيد وجودها الخاص ، بل ربما نجد ما يؤكد الاحتمال الثاني ، لأن الظاهر أن إخراج الذرية من الظهور وارد على سبيل الكناية عن عملية الخلق والإيجاد الفعلي ، كما في الآيات التي تتحدث عن خلق الناس جميعا من دون تفصيل للطريقة التدريجية في ذلك. وإذا كان الأمر كذلك ، كانت المسألة ظاهرة في تدريجية الوجود ، لأن الخلق الفعلي كان على هذا الأساس.
وعلى هذا ، فإنّ المراد بالإشهاد ، هو الإشهاد المنطلق من عملية الخلق ، في ما أودعه الله في كل واحد من الدلائل والبراهين على وجوده وتوحيده ، من خلال الفطرة التي أودعها في تكوين الإنسان ، مما تعتبر شاهدا على قضية الإيمان في ما توحي به من أفكار ، وما تثيره من مشاعر ، إذا لم ينحرف بها الإنسان عن مسارها الطبيعي بسوء اختياره. وبهذا يكون كل فرد من بني آدم شاهدا على نفسه بفطرته التي تنطق بذلك ، بنفس حركة الوجود في