وتتمرّد فيها الأفكار ، لتفتح طريقا هنا ، ونافذة هناك ، وتثير في موقع آخر كثيرا من التساؤلات التي تفتح في حركة الوجدان بعض الانفتاح على الحقيقة ، من خلال ما تحدثه من الاهتزاز الداخلي في الإنسان ، وربما كان السرّ في ذلك أنّ الإنسان ليس كيانا جامدا لتتجمّد فيه المواقف ، أو تتحجّر لديه الأفكار ، بل هو كائن متحرك قابل للتأثر بعوامل التغيير التي قد تنفذ إلى تفكيره أو أحاسيسه ، وتوحي له بضرورة استبدال اتجاه حركته باتجاه آخر .. وهكذا ينبغي للعاملين أن يرصدوا الحالات الفكريّة والشرعيّة والاجتماعيّة للانطلاق منها إلى آفاق جديدة في حركة الرسالة في الحياة الإنسانية.
* * *
الإصرار على الإصلاح معذرة إلى الله
(وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ) لأمة أخرى كانت تقوم بمهمة الوعظ والإرشاد للمتمردين العاصين (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) ، لأنهم تجاوزوا كل الحدود المعقولة في ضلالهم وعصيانهم ، مما يجعل من الوعظ شيئا عقيما لا جدوى منه؟! فقد ساهمت تصرفاتهم في غضب الله عليهم بالمستوى الذي لا مجال فيه إلا لهلاكهم وتعذيبهم عذابا شديدا.
(قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) ، لنعذر إلى الله بأننا قد قمنا بواجبنا في تجربة الدعوة إليه ، وفي الإعلان عن رفضنا لهذا الخط المنحرف بطريقة إيجابيّة في سبيل التغيير ... وربما كان في كلمة «ربكم» بدلا من كلمة «ربنا» بعض الإيحاء لهؤلاء المعترضين بأن المسألة ليست مسألتنا ، فلا بد لكم أن تقدموا العذر إلى ربكم في الموقف ، كما يجب أن نقدمه إليه في أسلوبنا العملي ، لأنه ربنا وربكم.