عادلة غير غالية ولا مقصرة ، وهم الذين آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل مقتصدة متوسطة في عداوته. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي بئس ما يعملونه ، وفيه معنى التعجب أي ما أسوأ عملهم وهو المعاندة وتحريف الحق والإعراض عنه والإفراط في العداوة.
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٦٧)
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) جميع ما أنزل إليك غير مراقب أحدا ولا خائف مكروها. (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) وإن لم تبلغ جميعه كما أمرتك. (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) فما أديت شيئا منها ، لأن كتمان بعضها يضيع ما أدي منها كترك بعض أركان الصلاة ، فإن غرض الدعوة ينتقض به ، أو فكأنك ما بلغت شيئا منها كقوله : (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) من حيث أن كتمان البعض والكل سواء في الشفاعة واستجلاب العقاب. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر (رِسالاتِهِ) بالجمع وكسر التاء. (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) عدة وضمان من الله سبحانه وتعالى بعصمة روحه صلىاللهعليهوسلم من تعرض الأعادي وإزاحة لمعاذيره. (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) لا يمكنهم مما يريدون بك. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «بعثني الله برسالاته فضقت بها ذرعا فأوحى الله تعالى إليّ إن لم تبلغ رسالتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت». وعن أنس رضي الله تعالى عنه ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحرس حتى نزلت ، فأخرج رأسه من قبة أدم فقال : انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني الله من الناس. وظاهر الآية يوجب تبليغ كل ما أنزل ولعل المراد به تبليغ ما يتعلق به مصالح العباد ، وقصد بإنزاله اطلاعهم عليه فإن من الأسرار الإلهية ما يحرم افشاؤه.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(٦٨)
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) أي دين يعتد به ويصح أن يسمى شيئا لأنه باطل. (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ومن إقامتها الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم والإذعان لحكمه ، فإن الكتب الإلهية بأسرها آمرة بالإيمان بمن صدقه والمعجزة ناطقة بوجوب الطاعة له ، والمراد إقامة أصولها وما لم ينسخ من فروعها. (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فلا تحزن عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم بما تبلغه إليهم ، فإن ضرر ذلك لاحق بهم لا يتخطاهم وفي المؤمنين مندوحة لك عنهم.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦٩)
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) سبق تفسيره في سورة «البقرة» والصابئون رفع على الابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيز إن والتقدير : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا والصابئون كذلك كقوله :
فإنّي وقيّار بها لغريب وقوله :
وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق |