(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ)(٩)
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) من مقال الراسخين. وقيل : استئناف والمعنى لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه ، قال عليه الصلاة والسلام «قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، إن شاء أقامه على الحق وإن شاء أزاغه عنه». وقيل : لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا. (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) إلى الحق والإيمان بالقسمين. من الحكم والمتشابه ، وبعد نصب على الظرف ، وإذ في موضع الجر بإضافته إليه. وقيل إنه بمعنى إن. (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) تزلفنا إليك ونفوز بها عندك ، أو توفيقا للثبات على الحق أو مغفرة للذنوب. (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) لكل سؤل ، وفيه دليل على أن الهدى والضلال من الله وأنه متفضل بما ينعم على عباده لا يجب عليه شيء.
(رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) لحساب يوم أو لجزائه. (لا رَيْبَ فِيهِ) في وقوع اليوم وما فيه من الحشر والجزاء ، نبهوا به على أن معظم غرضهم من الطلبتين ما يتعلق بالآخرة فإنها المقصد والمآل. (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) فإن الإلهية تنافيه وللإشعار به وتعظيم الموعود لوّن الخطاب ، واستدل به الوعيدية. وأجيب بأن وعيد الفساق مشروط بعدم العفو لدلائل منفصلة كما هو مشروط بعدم التوبة وفاقا.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ)(١١)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) عام في الكفرة. وقيل : المراد به وفد نجران ، أو اليهود ، أو مشركوا العرب. (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي من رحمته ، أو طاعته على معنى البدلية ، أو من عذابه (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) حطبها. وقرئ بالضم بمعنى أهل وقودها.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) متصل بما قبله أي لن تغن عن أولئك ، أو توقد بهم كما توقد بأولئك ، أو استئناف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب ، وهو مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فنقل إلى معنى الشأن. (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) عطف على (آلِ فِرْعَوْنَ). وقيل استئناف. (كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) حال بإضمار قد ، أو استئناف بتفسير حالهم ، أو خبر إن ابتدأت بالذين من قبلهم. (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف الكفرة.
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ)(١٢)
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) أي قل لمشركي مكة ستغلبون يعني يوم بدر ، وقيل لليهود فإنه عليه الصلاة والسلام جمعهم بعد بدر في سوق بني قينقاع فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش ، فقالوا لا يغرنك أنك أصبت أغمارا لا علم لهم بالحرب لئن قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس ، فنزلت. وقد صدق الله وعده لهم بقتل قريظة وإجلاء بني النضير وفتح خيبر ، وضرب الجزية على من عداهم وهو من دلائل النبوة. وقرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما على أن الأمر بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه. (وَبِئْسَ الْمِهادُ) تمام ما يقال لهم ، أو استئناف وتقدير بئس المهاد جهنم أو ما مهدوه لأنفسهم.
(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)(١٣)