كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) كنت محمد صلىاللهعليهوسلم وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام بأحمد صلىاللهعليهوسلم في الإنجيل. (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) مما تخفونه لا يخبر به إذا لم يضطر إليه أمر ديني ، أو عن كثير منكم فلا يؤخذاه بجرمه. (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) يعني القرآن فإنه الكاشف لظلمات الشك والضلال والكتاب الواضح الإعجاز. وقيل يريد بالنور محمد صلىاللهعليهوسلم.
(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(١٦)
(يَهْدِي بِهِ اللهُ) وحد الضمير لأن المراد بهما واحد ، أو لأنهما كواحد في الحكم. (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) من اتبع رضاه بالإيمان منهم. (سُبُلَ السَّلامِ) طرق السلامة من العذاب ، أو سبل الله. (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من أنواع الكفر إلى الإسلام. (بِإِذْنِهِ) بإرادته أو توفيقه. (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) طريق هو أقرب الطرق إلى الله سبحانه وتعالى ومؤد إليه لا محالة.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٧)
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) هم الذين قالوا بالاتحاد منهم ، وقيل لم يصرح به أحد منهم ولكن لما زعموا أن فيه لاهوتا وقالوا لا إله إلا الله واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم. (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فمن يمنع من قدرته وإرادته شيئا. (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ) عيسى (ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) احتج بذلك على فساد عقولهم وتقريره : أن المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهية. (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إزاحة لما عرض لهم من الشبهة في أمره ، والمعنى أنه سبحانه وتعالى قادر على الإطلاق يخلق من غير أصل كما خلق السموات والأرض ، ومن أصل كخلق ما بينهما فينشئ من أصل ليس من جنسه كآدم وكثير من الحيوانات ، ومن أصل يجانسه إما من ذكر وحده كما خلق حواء أو من أنثى وحدها كعيسى ، أو منهما كسائر الناس.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(١٨)
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) أشياع ابنيه عزيرا والمسيح كما قيل لأشياع ابن الزبير الخبيبون أو المقربون عنده قرب الأولاد من والدهم وقد سبق لنحو ذلك مزيد بيان في سورة «آل عمران». (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) أي فإن صح ما زعمتم فلم يعذبكم بذنوبكم فإن من كان بهذا المنصب لا يفعل ما يوجب تعذيبه ، وقد عذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ واعترفتم بأنه سيعذبكم بالنار أياما معدودات. (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) ممن خلقه الله تعالى. (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) وهم من آمن به وبرسله. (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) وهم من كفر ، والمعنى أنه يعاملكم معاملة سائر الناس لا مزية لكم عنده. (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) كلها سواء في كونها خلقا وملكا له. (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.