المعجزات ، ولا يجوز حملها على التوراة إذ لم تأتهم بعد. (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) تسلطا ظاهرا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتخاذهم.
(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً)(١٥٤)
(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ) بسبب ميثاقهم ليقبلوه. (وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) على لسان موسى والطور مطل عليهم. (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) على لسان داود عليه الصلاة والسلام ، ويحتمل أن يراد على لسان موسى حين طلل الجبل عليهم ، فإنه شرع السبت ولكن كان الاعتداء فيه والمسخ به في زمن داود عليه الصلاة والسلام ، وقرأ ورش عن نافع (لا تَعْدُوا) على أن أصله لا تتعدوا فأدغمت التاء في الدال ، وقرأ قالون بإخفاء حركة العين وتشديد الدال والنص عنه بالإسكان. (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) على ذلك وهو قولهم سمعنا وأطعنا.
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)(١٥٥)
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) أي فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بنقضهم ، وما مزيدة للتأكيد والباء متعلقة بالفعل المحذوف ، ويجوز أن تتعلق بحرمنا عليهم طيبات فيكون التحريم بسبب النقض ، وما عطف عليه إلى قوله فبظلم لا بما دل عليه قوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها) مثل لا يؤمنون لأنه رد لقولهم قلوبنا غلف فيكون من صلة وقولهم المعطوف على المجرور فلا يعمل في جاره. (وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) بالقرآن أو بما جاء في كتابهم. (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) أوعية للعلوم ، أو في أكنة مما تدعونا إليه. (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) فجعلها محجوبة عن العلم ، أو خذلها ومنعها التوفيق للتدبر في الآيات والتذكر في المواعظ. (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) منهم كعبد الله بن سلام ، أو إيمانا قليلا إذ لا عبرة به لنقصانه.
(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً)(١٥٦)
(وَبِكُفْرِهِمْ) بعيسى عليه الصلاة والسلام ، وهو معطوف على بكفرهم لأنه من أسباب الطبع ، أو على قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ) ويجوز أن يعطف مجموع هذا وما عطف عليه على مجموع ما قبله ويكون تكرير ذكر الكفر إيذانا بتكرر كفرهم ، فإنهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد عليهم الصلاة والسلام. (وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) يعني نسبتها إلى الزنا.
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(١٥٨)
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) أي بزعمه ويحتمل أنهم قالوه استهزاء ، ونظيره أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وأن يكون استئنافا من الله سبحانه وتعالى بمدحه ، أو وضعا للذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح. (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) روي (أن رهطا من اليهود سبوه وأمه فدعا عليهم فمسخهم الله تعالى قردة وخنازير ، فاجتمعت اليهود على قتله فأخبره الله تعالى بأنه يرفعه إلى السماء ، فقال لأصحابه : أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة ، فقام رجل منهم فألقى الله عليه